ثم ينبري يدافع بشراسة عن (فلان) بغض النظر عن صحة ما ينافح به!! المهم والهدف عنده المنافحة بأي شيء ولو بالسب والتسفيه ولعن الطرف الآخر، وأبسط حجة يلقيها في وجه منتقد شيخه قوله: (لحوم العلماء والدعاة مسمومة) فهي كلمة حق أريد بها الباطل، فلحوم العلماء والدعاة مسمومة من الطعن في العرض والسب والشتم والتشهير، ولكن ليس لحومهم مسمومة من النقد البناء والنصيحة الخالصة، فيجب التفريق بين هذا وذاك.
وفي المقابل ترى المتحامل ـ أصلحه الله ـ وجد لغمز ولمز (أحد المشايخ أو الدعاة) مستقرا له في قلبه بسبب كره سابق في قلبه لـ (فلان)، فيعمل كما يقال: (من الحبة قبة)، فالغاية عنده تبرر له وسيلة الطعن، والعجيب أنه يجد لذلك من المبررات الشرعية في نفسه كالدفاع عن الدين وإنكار المنكر. ونسى هذا الحبيب أن إنكار المنكر له ضوابطه الشرعية، والنصيحة لها أسلوبها الأمثل.
فهل تعلم أنه لا يجوز في إنكار المنكر التجاوز في الإنكار حد المنكر، فلو رأيت من يشرب خمرا من زجاجة، فليس لك في الإنكار باليد إلا كسر الزجاجة، فإن ضربته، فقد وقعت في مخالفة شرعية.
ثم تخيل معي أيها الحبيب لو اجتمع المنافح مع المتحامل في حوار أو نقاش كيف يكون حالهما حينئذ؟!!!.
بلا ريب سيكون (حوار طرشان) ـ إن لم تكن مجزرة من السب والشتم واللعان ـ بمعنى أن كل من المتحاورين سيعتريه (الطرش) الوصفي، فهو لا يعبأ بما يقوله الآخر بقدر ما يعبأ بما يقوله هو، وهذا أشبه ما يكون بمنطق دكتاتورية فرعون التي وصفها الله تعالى في كتابه: {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} (غافر:29).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وصاحب الهوى يُعميه الهوى ويصمه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك، ولا يطلبه، ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله. بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه، ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه، ويكون مع ذلك معه شبهة دين). وقد نقل عن سلفنا الصالح قولهم: (احذروا من الناس صنفين: صاحب هوى قد فتنه هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه).
فأخرج من هذه المشاركة ويعتريني الحزن الشديد على حال الملتزمين (الصحوة التي نعقد عليها آمال الأمة المنكوبة).
ومع تفشي هذه الظاهرة رأيت وجوب إسداء النصح لنفسي أولا، ولأحبتي في الله ثانيا، ويعلم الله أنني كنت أتمنى أن لا أكتب ذلك ولكن الساكت عن الحق شيطان أخرس، فأقول وبالله التوفيق:
أولا ـ كلمة من القلب بين يديك فأرجو قبولها:
1 ـ يا أيها القارئ لهذه الكلمات لا تعجل في قراءتها! فوالله لقد كتبت من أجلك من القلب وثق أن ما كان من القلب ذهب إلى القلب، فاصبر على تأملها لعلك تجدها في ميزان حسناتك يوم تلقى الله عز وجل.
2 ـ هذه الأسطر لا أقصد بها شخصا بعينه، وإنما هي عامة لجميع الأحبة.
3 ـ من كتب هذه الأسطر كتبها بدافع الحب، فاصطحب معك هذا المعنى أثناء القراءة وافتح لها قلبك، وإن خالفت ما في نفسك فزنها بميزان عدلك الذي لا يعلم حقيقته إلا الله.
ثانيا ـ يجب التفريق بين (النقد) و (التجريح)، وبين (النصيحة) و (الفضيحة)، وبين (الصدع بالحق) و (التحامل):
وهذا يجب أن ينتهجه المسلم بشكل عام مع جميع من حوله. ولكن لكوننا نقصد بهذه الرسالة صنف من الناس وهم (العلماء والدعاة) وجب علينا أولا طرح هذا السؤال: هل يجوز لنا نقد أو نصيحة أو الإنكار على العلماء والدعاة؟!.
الجواب: نعم يجوز ذلك بلا ريب، فالعالم أو الداعية بشر من البشر يخطئ ويصيب، يعصي ويطيع وكما قال صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد بإسناد صحيح من حديث أنس.
وقال الإمام مالك: كل منا يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر وأشار بيده إلى قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
¥