تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[ضرورة النقد العلمي في مجال تحقيق التراث]

ـ[الاستاذ]ــــــــ[02 - 10 - 05, 10:26 م]ـ

[ضرورة النقد العلمي في مجال تحقيق التراث]

أبو سيف العلوي

الحمد للَّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين وآله الطاهرين.

وبعد؛ فإنّ لتحقيق النصوص في التراث الإسلامي أثراً بارزاً في تخليد مصادر المعرفة، ولتأكيد حيويّتها، مضافاً إلى ما فيه من شارات الفخر والمجد العتيد، وما فيه من تزويد الأجيال القادمة من معارفها العظيمة ومعالمها الحقّة.

وقد سبق علماءُ الإسلام كلَّ الثقافات في هذا الشأن، ولهم في سبيل ذلك جهود ومناهج دقيقة، تعدّ من أفضل طرق التوثيق وأساليب التأكّد من صحّة النصوص، حسبما وقفنا عليه من المقارنة بين ما وضعوه منذ القدم، وما هو المعروف بين ذوي الاختصاص في القرن العشرين، من مختلف الحضارات والأديان.

وقد اجتمعت كلمةُ ذوي الاختصاص على ضرورة هذا الفنّ، في سبيل الإفادة الصحيحة والتامّة من التراث العظيم الذي خلّده السابقون، وأودعوا فيه الفكر والثقافة والأدب وما له دخل في المعرفة الإنسانية والإسلامية عامّة.

واجتمعت - كذلك - كلمتُهم على دوران أمر «تحقيق النصوص بين صعوبة المهمّة، وخطورة الهفوات» وذلك: لأنّ التراث يعتبر أمانةً في أيدي الأجيال، وبخلوده تخلُد الحضارات، ومهما كان التراث مقدّساً فإنّ صعوبة المهمّة وخطورة الهفوات فيه تزداد أكثر.

أمّا صُعوبة المهمّة فتنشأ عن مشاكل اختلاف الخطوط التي دوّنت بها الكتب التراثية، مع ما عليه الرسم في الخطّ العربي، من متشابهات ومشاكل تعود إلى مسألة «الضبط» واختلاف الكتاب في الالتزام بما يلزم من شؤون الخطّ وآدابه، واختلاف ثقافات الخطّاطين والكتّاب بالنسبة إلى ما يتصدّون لكتابته من كتب العلوم والفنون، مضافاً إلى تأثّر التراث المخطوط بعوامل مخرّبة ومشوّهة للحبر والكتابة والورق وما إلى ذلك من شؤون طبيعية وبيئية.

فيقف المتصدّي لتحقيق التراث أمام جميع هذه المشاكل في كلّ صفحة وسطر، بل كلّ كلمة.

وبما أنّ «التحقيق» يقتضي - حسب معناه اللغوي والاصطلاحي - إظهار الحقّ وإبرازه، ممّا بيده من النسخ، وإخراج «الحق الذي ألّفه المؤلّف وكتبه وأراده» فهذا يتوقّف على بذل جهود عديدة:

1 - لأداء الأمانة التي يلتزمها، فلو أخلّ بجزءٍ ممّا سبق فيعتبر عمله خيانةً وتقصيراً بالنسبة إلى المؤلِّف، لاتهامه بما وضع في الكتاب المنسوب إليه.

وكم وجدنا من الجَهَلة مَنْ نسبوا باسم «تصحيح تراثنا. . .» إلى الأعاظم من العلماء ما هم بُرءاء منه، استناداً إلى ما طُبع في المنسوب إليهم من المؤلَّفات، زاعمين أنه من أخطاء المؤلِّفين أنفسهم!؟

دون أن يراجعوا النسخ الصحيحة ليجدوا بأعينهم الخائنة: أنّ المُثبت في خطوط العلماء هو الصحيح الصائب، دون ما نُسب في المطبوع إليهم من الخطأ.

فالإهمال في عمل التحقيق، يُسْخط المؤلِّفين قطعاً، كما أنّه يُشوّه سمعة العلم والتراث، وفيه خيانة للأجيال من الاُمّة الذين سيراجعون هذا التراث فيستفيدون منه.

بينما الاهتمام بالتحقيق والتأكّد منه بالسير على أُصوله العلمية القويمة، أمر يوجب الفخر للمحقِّق، كما أنّه إحياءٌ للمؤلِّف، وتخليد للحقّ الذي أودعه في كتابه، ولقد ذكر أحد الأعلام: إنّ المؤلّفين القدماء سوف يغمرون بأدعيتهم الصالحة، المحقّقين الذين يقومون بإحياء آثارهم.

وهو خدمةٌ للأُمّة في الإعلان عن أمجادها العلمية، وللأجيال القادمة بتوفير هذا الكنز لهم، ليتزوّدوا منه بأسهل شكل وأحسنه وأقومه.

وكلّ ذلك لا يتحقّق إلّا بالعمل الجادّ والصائب.

وأمّا الخطورة فتكمن في الانحراف الذي قد يترتّب على هفوة تحقيقية يقع فيها المحقِّق، خصوصاً في الكتب التي لها قدسيّة خاصّة، كالذي يتعلّق بالقرآن وعلومه، والحديث وعلومه، وكتب الأنساب، وأمثال ذلك.

وكما قلنا، فمهما توغّل الأثر التراثيّ في القدسيّة، كانت الخطورة في أخطائه أكثر وأشدّ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير