[صيانة الفضلاء، عن الخلط بين أسامي العلماء.]
ـ[العاصمي]ــــــــ[10 - 10 - 05, 04:13 ص]ـ
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضلّ له، و من يضلل؛ فلا هادي له.
و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمّداً عبده و رسوله.
أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، و أحسن الهدي: هدي محمد صلى الله عليه و سلم، و شرّ الأمور محدثاتها، و كل محدثة بدعة، و كل بدعة ضلالة، و كلّ ضلالة في النار.
و بعد؛ فهذا جزء جمعتُه نُصحاً لطُلاَّب علم الأثر؛ لِمَا رأيتُه من كثرة الغلط، و الخلط، و الخبط، في كثير من تساويد منتحلي هذه الصَّنْعة؛ حتى طفح الكَيْل، و انجرف السَّيْل؛ لكثرة حُطَّاب اللّيل، لا كثّرهم الله!
و إنّني فيما سأسطُرُه و أزبُره، لشديد الأسى و الأسف؛ إذ كثيرٌ مِنْه، كان من البيّنات الواضحات عند (حديثيِّي) أسلافنا، لكن؛ أحسن الله عزاءنا في كثير من بني عصرنا.
و لو قدَّر الله، و بعث أحد أئمّتنا السابقين، و رآنا نتعانى التفريق بين تيك (الواضحات)؛ لطال نحيبُه، و تمادى عويله، على هذا الوضع الوضيع، و الجهل الفظيع الشنيع، الذي صار إليه كثير منّا، ممّن لا يُفرِّق بين عبثر و غندر، و نُسَير و نُصَير ... و هلمَّ جرّاً و سحبا، ممّا سيأتيك بعضُ نبئه بعد حين!
و ظَنِّي أن لو رأى أئمّتنا سوء حالنا؛ لأمروا أمراً مُبرَما مُلزِما لا رجعة فيه، بغلق الباب، وقطع الخطاب، و إيقاف طبع أيّ كتاب، و الاكتفاء بتصوير المخطوطات القديمة، دون تعليق عليها بكلمة و لا كُلَيْمة!
و لقد أدرك أئمتنا خطر الخلط بين أسامي العلماء؛ فجمعوا تصانيف في (المتفق و المفترق)، و (مشتبه أسامي المحدثين)، و (كشف الملتبس)، و (تمييز المشكل)، و أفردوا أنواعاً منها فيما صنّفوه في علوم الحديث.
و كان ممّن أسهم في هذا المهيع بسهم وافر: أبو حاتم البُسْتي؛ فقد جمع في ذلك كتبا كثيرة؛ منها:
1ـ التمييز بين حديث النضر الحراني، و النضر الخزّاز، جزءان.
2ـ الفصل بين حديث أشعث بن عبد الملك، و أشعث بن سوار، جزءان.
3ـ الفصل بين حديث ثور بن يزيد، و ثور بن زيد، جزء.
4ـ الفصل بين حديث مكحول الشامي، و مكحول الأزدي، جزء.
5ـ الفصل بين منصور بن المعتمر، و منصور بن زاذان، ثلاثة أجزاء.
6ـ كتاب ما جُعِل شيبانُ سفيانَ، أو سفيانُ شيبانَ، ثلاثة أجزاء.
7ـ كتاب ما جُعِل عبد الله بنُ عمر، عبيدَ الله بن عمر، جزءان.
وجمع ـ أيضا ـ كتابا حافلا في " علل أوهام أصحاب التواريخ " في عشرة أجزاء.
و قد تتابع العلماء على مَرّ العُصور على البَوْح بمُرِّ الشكوى من هذا البلاء المستطير، و ممّن باح بذلك، و رسم دواء هذا الداء، عبد الواحد بن علي أبو الطيّب الحلبي اللغوي (ت 351) (1)، فقال في ديباجة كتابه " مراتب النحويّين " (ص 1 ـ 5):
" ... إن كثيراً من أهل دهرنا (2)، لا يَفْرِقُون بين أبي عُبَيْدة، و أبي عُبَيْد، و بين المنسوب إلى أبي سعيد الأصمعيّ، أو أبي سعيد السكريّ، أو أبي سعيد الضرير، و يحكون المسألة عن الأحمر؛ فلا يَدْرُون: أهو الأحمر البصري، أو الأحمر الكوفي، و لا يَصِلون إلى العلم بمزيّة ما بين أبي عَمْرو بن العلاء، و بين أبي عمرو الشيباني، و لا يفصلون بين أبي عمر عيسى بن عُمر الثقفي، و بين أبي عمر صالح بن إسحاق الجَرْميّ، و يقولون: " قال الأخفش "، و لا يَفْرِقون بين أبي الخطاب الأخفش، و أبي الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش البصريَّيْن، و بين أبي الحسن علي بن سليمان الأخفش ... صاحب محمد بن يزيد، و أحمدَ بنِ يحيى، و حتى يظنّ قوم أن القاسم بن سلاّم البغداديّ و محمد بن سلاّم الجُمَحيّ صاحب " الطبقات " أخوان!
و لقد رأيتُ نسخةً من كتاب " الغريب المصنَّف " على ترجمته: " تأليف أبي عُبَيْد القاسم بن سلاّم الجُمَحيّ "!! و ليس أبو عبيد بجُمَحيّ، و لا عربيّ، و إنما الجُمحيّ مؤلف كتاب " طبقات الشعراء "، و أبو عبيد في طبقة مَن أخذ عنه ...
¥