تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حتى إذا أفضى به الأمر إلى المتن، شرح غريبه بما دلت عليه الشواهد الشعرية، أو ما روته الكتب التي دونت لغات العرب، ثم عطف على ذلك ببيان ما اشتمل عليه من المعاني الشرعية، واستنباط ما دل عليه من الأحكام في الفقه الإسلامي بمعناه الواسع الشامل، مع بيان ما فيها من الإجماع أو الخلاف، من لدن الصحابة فالتابعين، فمن تلاهم من أئمة العلم الذين اشتهروا بالفقه والفتوى في مختلف الأمصار، كالأئمة الأربعة، وأصحابهم، وسفيان الثوري، وعثمان البتي، والأوزاعي، وأبي ثور، وداود الظاهري.

وبهذا يعد التمهيد -ومعه الاستذكار- مصدراً من أهم المصادر لمعرفة الإجماع (7).

وترى الأمانة العلمية في النقل ماثلة بين عينيك في تصرف ابن عبدالبر، فلا ينقل قولاً لقائل إلا وأسنده إلى مصدر أصلي ما أمكنه، كإسناد أقوال فقهاء الصحابة والتابعين إلى مصنفي عبدالرزاق الصنعاني، وابن أبي شيبة الكوفي، وإسناد أقوال غيرهم إلى كتب أخرى، تروي العلم بالسند المتصل إلى أصحابه، منها أحكام القرآن للقاضي إسماعيل بن إسحاق البصري المالكي، وسنن أبي بكر الأثرم، صاحب الإمام أحمد وأحد رواة مسائله، والواضحة في الفقه والسنن لعبدالملك بن حبيب القرطبي المالكي، وشرح معاني الآثار للطحاوي، واختلاف الفقهاء له، الذي اختصره أبو بكر الجصاص، وكتب محمد بن نصر المروزي، وكتب ابن المنذر، كالإشراف على مذاهب أهل العلم، والأوسط في الإجماع والخلاف، وكتاب الطبري في الخلاف.

بالإضافة إلى المطولات والمختصرات المصنفة في فقه المذاهب، كالمختصر الكبير لمحمد بن عبدالله بن عبدالحكم المصري، ومدونة سحنون، وواضحة ابن حبيب، ومستخرجة العتبي، ومختصر الوقَّار، ومبسوط القاضي إسماعيل البصري، وكلها في الفقه المالكي.

وكتب الإمام الشافعي التي رواها عنه الربيع المرادي، كالأم، وما ضم معها من الأجزاء، والإملاء، وكتاب الزعفراني في رواية مذهبه العراقي القديم، ومختصري المزني، والبويطي في اختصار مذهبه الجديد.

والجامع الصغير لمحمد بن الحسن، ومختصر الطحاوي، واختلاف الفقهاء له، في الفقه الحنفي.

ومختصر الخرقي، وسنن الأثرم، ومسائله، ومسائل إسحاق بن منصور الكوسج في الفقه الحنبلي.

ويطيل التحقيق في بحث بعض المسائل، واستقصاء كلام أهل العلم فيها، على نحو يقضى منه العجب.

وعلى سبيل المثال: نجده تناول شرح حديث: (كل مولود يولد على الفطرة .. ) في خمس وثمانين صفحة من المطبوعة المغربية (8)، أتى فيها على معاني الفطرة في اللغة، وبين اختلافَ العلماء في تحديد معناها، على نحو يجد القارئ نفسه معه وهو يصدر من مطالعة البحث، أنه قد ارتوى علماً في موضوع الفطرة مفهوماً وفقهاً، ولو أن باحثاً أفرده من الكتاب ونشره لأفاد به وأجاد.

وأما الاستذكار، فقد خصصه المؤلف لإتمام الكلام على القسم الثاني من الموطأ، وهو القسم الذي يشتمل على الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين، وأقوال مالك -رحمه الله- فيما ذهب إليه من ذلك، سواء منها ما كان مبنياً على اجتهاد مطلق في فهم النصوص، أم ما كان مبنياً على العمل المتوارث في بلده -المدينة النبوية- الذي يراه حجة على من خالفه.

وقد تمم حافظ المغرب والأندلس تلك الآثار المنقولة والآراء المقولة، بما يتصل بها من غيرها من مذاهب العلماء في مختلف طبقات السلف، حتى تظهر رؤوس المسائل الفقهية التي وردت في الموطأ، مستوفاة البيان لما فيها من الإجماع أو الخلاف بين فقهاء الأمصار.

وحيث تعلق الكلام بشيء مما سبق بسطه في التمهيد، فإن المؤلف اقتصر فيه على الإحالة تارة والاختصار تارة أخرى، فأدرج كثيراً من مباحث الكتاب الأول في مواضعها المناسبة من الكتاب الثاني، الذي رتبه على أبواب الموطأ، ليتصل بذلك شرح المسند والمرسل مع شرح غيره مما سبقت الإشارة إليه (9).

لقد جاء عمل الحافظ ابن عبدالبر في كتابيه هذين، عملاً منهجياً متقناً موثقاً، جامعاً بين الرواية والرأي، أو بين السنة وكيفية تناول أهل العلم لها.

حتى قال ابن حزم في وصف كتاب التمهيد: لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله أصلاً، فكيف أحسن منه!

وقال ابن تيمية: هو أشرف كتاب صنف في فنه.

ولعل الدراسات العلمية المتخصصة، تكشف عن المزيد من الجوانب المعرفية التي حفل بها الكتابان.

ومما كتب في ذلك من الرسائل الجامعية -على سبيل المثال-:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير