تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلمّا اجتمع شكْواك ما تشكَّيْتَه إلى ما أرى الناس يتهافتون فيه خبط عَشْواء، و صَيْد ظَلْماء، و رأيتُك إذا أجريْتُ منه شيئا انْتَقَرْتَه (3)، و أسرَعتَ إلى تعليقه و افترصتَه؛ أشفقتُ مِن لَبْس يدخل عليك فيه، أو سَهو يَحمِلك على باطل تحكيه، و أُعِيذُ إخواني بالله ممّا لا يَسُرُّني في الأعداء، و لا أفرح به في البُعَداء، و ذوي الشنآن و البغضاء = فرسمتُ لك في هذا الكتاب: ما تقبُح الغفلة عنه، و لا يَسَعُ العقلاءَ جهلُه ...

و اعلم ـ علمت الخير و عملتَ به ـ أن أكثر آفات الناس: الرؤساءُ الجهّالُ، و الصُّدورُ الضُّلاَّلُ، و هذه فتنة الناس على قديم الأيّام، و غابر الأزمان، فكيف بعصرنا هذا، و قد وصلْنا إلى كَدَر الكَدَر، و انْتَهيْنا إلى عَكَر العَكَر! و أُخِذَ هذا العلم عمَّنْ لا يعلم و لا يَفْقَه، و لا يُحِسُّ و لا يَنْقَه، يُفهِّم الناس ما لا يَفْهم، و يُعلّمهم عند نفسه و هو لا يعلم، يتقلَّد كلَّ علم و يَدَّعيه، و يركب كلَّ إفك و يَحكيه، يجهل و يرى نفسه عالما، و يَعيبُ مَن كان من العيْب سالما.

يتعاطى كلَّ شَيْء ***** و هو لا يُحسِنُ شيَّا

فهو لا يزداد رُشدا ***** إنما يزداد غيّا

... فهو بلاء على المتعلّمين، و وبال على المتأدّبين، إنْ روى كذب، و إنْ سُئِل تذَبْذَب، و إن نُوظِر صَخِب، و إنْ خُولف شَغَب، و إنْ قُرِّر عليه الكلام سبَّ!

يُصيبُ و ما يدري، و يُخطي و ما درى و كيف يكون النَّوْك إلاّ كذالكا!

فالواحد من هؤلاء في طبقة من الجهل لا تدرك بالمقياس، و لم يَهْتَد إليها الخليل حين طبق الناس ...

و لقد بلغني عن بعض مَن يختصُّ بهذا العلم و يرويه، و يزعم أنه يُتْقِنُه و يَدْريه، أنه أسند شيئا، فقال: " عن الفرَّاء عن المازنيّ "!

فظنّ أن الفرّاء الذي كان هو بإزاء الأخفش، كان يروي عن المازنيّ!

و حَرِيٌّ بمَنْ عَمِي عن معرفة قوم أن يكون عن علومهم أعمى و أضلَّ سبيلا "!


1ـ و من عجيب ما اتّفق، و غريب ما ابتُلي به أبو الطيب هذا، أنْ نُسب كتابه» المراتب «الذي
كدَّ فيه ذهنه، و أتعب خاطره (!) إلى رجلين آخريْن، اتّفقا معه في الكنية، و افترقا و إيّاه في المذهب و المشرب ... فنسبه بعض الأفاضل إلى أبي الطيب البغوي! و نسبه آخر إلى أبي الطيب الطبري، كما سأبيّنه قريبا.

2ـ يعني أهل القرن الرابع، فما عسى أن يُقال في أهل القرن الخامس عشر، و العلم ـ فيه ـ قد
استدبر، و البغاث في زماننا قد استنسر!

3ـ في حاشية الأصل: خ ـ انتهرتَه.

ـ[العاصمي]ــــــــ[10 - 10 - 05, 04:33 ص]ـ
? ـ و بَدْءة ذي بَدْءٍ، أشرع في بيان و كشف الالتباس الذي وقع في نسبة كتاب " مراتب النحويّين " لأبي الطّيّب، الذي تقدّمت شكواه من الخلط بين أسامي العلماء، و لم يُغْنِ عنه بثّ ألمه، و نفث ما في صدره؛ فقد نُسب كتابه الذي كدَّ فيه ذهنه، إلى غيره!

فقد ذكر الأستاذ الفاضل (أنيس الأندونيسي) في مقدمة " البحر الذي زخر " ص 131 من مصادر السيوطي في " التطريف (1) في التصحيف ": كتاب " مراتب النحويّين " لأبي الطيب البغوي!!

و من الاتفاقات العجيبة ـ التي تدل على مدى تشعّب نِسَب الرجال ـ أنَّ تصحيفَ حَرْفٍ مِنْ نسبةِ أبي الطيب (من اللاّم إلى الغين)، آلت إلى عزو الكتاب إلى رجل، قد وُجد حقيقة (2)، إلاّ أن ذهنه كان خلوا من مادة ذاك الكتاب، و لم يخطر بباله، و لا دار في خياله، أن ينسب إليه كتاب في " مراتب النحويين "!

أما الأخ الفاضل محمد بن مجقان؛ فقد عزاه في مقدمة الأرجوزة المنبهّة ص 43 إلى أبي الطيب الطبري!

و أبو الطيب هذا، هو: طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبري، ثم البغدادي، الإمام العلاّمة، الفقيه المُعمَّر (348 ـ 350)، و كان ـ رحمه الله تعالى ـ من أكابر فقهاء الشافعية، و لم يصنّف ـ قطّ ـ في مراتب النحويّين و أخبارهم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير