يقول الشعراني في ترجمة الشيخ يوسف العجمي (تيسير العزيز الحميد ص298): " وكان .. إذا خرج من الخلوة يخرج وعيناه كأنهما قطعة جمر تتوقد فكل من وقع نظره عليه انقلبت عينه ذهباً خالصاً .. وقع له أنه خرج من خلوة الأربعين فوقع بعصره على كلب فانقادت إليه جميع الكلاب، وصار الناس يهرعون إليه في قضاء حوائجهم، فلما مرض ذلك الكلب اجتمع حوله الكلاب يبكون ويظهرون الحزن عليه، فلما مات أظهرت الكلاب البكاء والعويل. وألهم الله تعالى بعض الناس فدفنوه فكانت الكلاب تزور قبره حتى ماتوا ".
قال الشعراني معلقاً على هذا الحدث: " فهذه نظرة إلى كلب فعلت ما فعلت، فكيف لو قعت على إنسان "
حقاً إنه لقياس وجيه، فإذا كان مجرد النظر إلى كلب يجعل منه قدوة وإماماً وشيخاً يتوافد إليه الكلاب - ولعلهم صوفية الكلاب - فلا شك أن ذلك النظر لو وقع على إنسان - ولو كافراً - لجعل منه إماماً وشيخاً وصوفياً يتوافد إليه المريدون تبركاً وطلباً للهداية التي لا تنال إلا عن طريقهم!
ثانياً: الهداية بإلباس الخرقة الصوفية:
الخرقة شعار الصوفي، قطعة ثوب ممزقة ترمز لفقره وخشونته، يُلبسها الشيخ مريده علامة التفويض والتسليم، ولا يمنحها إياه إلا بعد أن يقضي مرحلة رياضية خاصة، لم يكن لها في البدء لون ثابت، ثم شاءت كل طريقة أن تتخير لوناً (راجع الموسوعة العربية الميسرة [1/ 745]).
يبدو أن الغرض الذي دفع شيوخ التصوف إلى استخدام الخرقة لم يكن مجرد الرمز إلى الزهد والتقشف، ولا مجرد التمييز بين طريقة وأخرى، كما يشير هذا التعريف الذي ارتضاه أصحاب الموسوعة، لأننا وجدناهم يستخدمونها لهداية المريد وتطهيره من الذنوب والمعاصي والأخلاق المذمومة، ولجعله ينتقل من الحال الناقص إلى الكمال المطلوب.
تحدث ابن عربي عن لبس الخرقة وسبب قبوله لها ثم عرج على طريقة المحققين التي كان عليها قبل لقاء الخضر الذي زعم أنه ألبسه الخرقة فقال: " فجرت عادة أصحاب الأحوال إذا رأوا أحداً من أصحابهم عنده نقص في أمر ما، وأرادوا أن يكملوا له حاله يتحد به هذا الشيخ، فإذا اتحد به أخذ ذلك الثوب الذي عليه في ذلك الحال ونزع وأفرغه على الرجل الذي يريد تكملة حاله ويضمه فيسري فيه ذلك الحال فيكمل له ذلك الأمر. فلذلك هو اللباس المعروف عندنا والمنقول عن المحققين من شيوخنا " (راجع الفتوحات [3/ 187]).
واشترط كل من علي الخواص وأبو الفضل الأحمدي في الشيخ الذي يتأهل لإلباس الخرقة الشرط الآتي: قالا: "شرط لباسها أن يعطي الله ذلك الشيخ من القوة والعزم ما ينزع به عن المريد - حال قوله له اخلع قميصك أو قلنسوتك مثلاً - جميع الأخلاق المذمومة فيتعطل عن استعمال شيء منها، فلا يصير فيه خلق مذموم إلى أن يموت ذلك المريد، ثم يخلع على المريد مع إلباسه تلك الخرقة جميع الأخلاق المحمودة التي هي غاية درجة المريد " (راجع درر الغواص ص97 - 80)
ثالثاً: الهداية بالتربية والتعليم عند الصوفية:
لو كان المراد بالتربية والتعليم تعليم المتعلم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالوسائل الشرعية، وكانت الهداية بمعنى بيان طريق الحق لكان الأمر من الوضوح والجلاء بحيث لا يحتاج إلى أي تعليق أو مناقشة، لكنهم - كما أسلفنا - يقصدون بالهداية معنى آخر وهي تلك النفحات الروحية السرية التي يزعمون أن الشيخ ينفخ بها في روح المريد الذي لا يستحقها إلا بعد أنواع من الرياضات الشاقة والتمارين والمرهقة المبنية في الغالب الكثير على أنواع من البدع المحدثة.
في ترجمة إبراهيم ولد أم رابعة الذي وصفه ابن ضيف الله بأنه بلغ درجة القطبانية يذكر أن شيخه ابن جابر الجهني كتب له إجازة وجاء فيها: " ... أما بعد فإن الأخ الفقيه ... الشيخ إبراهيم ابن أم رابعة استحق السيادة والإمامة عندي فجعلته قطباً في مكانه، ولساناً في عصره، وترجماناً في أوانه " (طبقات ابن ضيف الله ص104).
وفي ترجمة يعقوب بن بان النقا يذكر أنه أخذ العلم من الشيخ عبد الرحمن بن جابر، وأنه أحد التلامذة الأربعين الذين أقامهم في بلادهم وجعلهم أقطاباً. (المصدر السابق ص372).
¥