وقد سبق أن ذكرنا التمويه ومشتقاته فيما مضى، فإذا قرأنا هذه العبارات في أثناء الكتاب = عَلِمْنا أن عنوان الكتاب «تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل» مطابق تمامًا لمضمون الكتاب الذي بين أيدينا, وأن المؤلف قصد فيه الرد على الجدل الباطل وأصحابه المموّهين, وأن هذا الجدل محدث, وأن أصحابه راغوا فيه مراوغة الثعالب, وحادوا فيه عن المسلك اللاحب.
وبعد هذا البيان الواضح هل سيبقى من يقول: إن كتابنا مجرد شرح لكتاب النسفي؟! وهل سيبقى لهذا الزعم أي اعتبار في ميزان النقد العلمي!! كلا!!
القرينة الخامسة: أن المؤلف نقل في مواضع كثيرة عن الإمام أحمد (انظر فهرس الأعلام 689) أكثر من أي إمام آخر، وكان مهتمًا بنقل رواياته على طريقة شيخ الإسلام المعروفة، ولنذكر نماذج (ص8 .. فعن أحمد فيها روايتان إحداهما .. وهي المنصورة عند أصحابه .. )، (ص211 .. وهو قول المالكية أو أكثرهم وأكثر الشافعية وإحدى الروايتين عن أحمد وقول كثير من أصحابه)، (ص244 ولم يجب عند الشافعي وأحمد في المشهور عنه)، (ص323 وهو أشهر الروايتين عن أحمد) وهكذا في بقية المواضع (347، 354، 388، 457، 461، 546، 561، 562، 607، 608) وهذه هي طريقة ابن تيمية التي لا تخفى على من قرأ شيئًا من كتبه.
القرينة السادسة: أن في الكتاب استعمال عبارات اشتهر شيخ الإسلام بالإكثار منها كقوله في مواضع كثيرة: (ص216 ليس هذا موضع استقصاء الكلام في ذلك) (ص217 تفصيل ليس هذا موضعه) (ص218 ليس هذا موضعها) (ص288 ليس هذا موضع استقصائه) (ص588 تحتمل بسطا عظيما ليس هذا موضعه) وغيرها من المواضع.
القرينة السابعة: كلامه في الكتاب على الأحاديث رواية ودراية هي عينها طريقة ابن تيمية:
كقوله: (ص9 هذا الحديث بهذا اللفظ لا أصل له, ولا يعرف في شيء من كتب الحديث والفقه المعتبرة).
وقوله: (ص217 وهذا اللفظ ليس هو مشهورًا في كتب الحديث، وأظنه قد روي من حديث أُبي بن كعب) قلت: وحديث أبي أخرجه أبو نعيم في ((مسند أبي يحيى فراس)):ق91أ والديلمي في الفردوس: 2/ 70.
وقوله: (ص492 اعلم بأن هذا الحديث ببهذا اللفظ لا يعرف في كتاب معتمد من كتب الحديث).
وقوله: (ص591 وهذا الحديث الذي ذكره لا أصل له، ولا يعرف في شيء من دواوين الحديث). وقال بعد ذلك: (وهذا الحديث ليس معزوًّا عزوًا يصح التمسك به، وأهل الحديث لا يعرفون له أصلاً، فلا يقبل).
وكلامه ص533 - 559 على حديث ((لا ضرر ولا ضرار)) رواية ودراية بما لا يوجد في مكان آخر.
وكلامه ص596 - 601 على حديث «أصحابي كالنجوم ... » رواية ودراية.
وقوله (ص534وهؤلاء المتأخرون من الخلافيين ونحوهم من المتفقهة أقل الناس علمًا بالحديث وأبعدهم عن ضبطه ومعرفته ..
وقوله ص 535 عن صاحب الفصول وما يورده من أحاديث: (هذا المصنف ذكر في كتابه هذا عدة أحاديث عامتها ليست محفوظة عن رسول الله ^, مع أنَّ في الباب الذي يذكره عدة أحاديث صحاح مشهورة).
وكلامه ص585 - 586 على رواية الصحابة للحديث وتحرّزهم فيها ..
فهذا أسلوب معروف لشيخ الإسلام ابن تيمية في كلامه على الأحاديث لمن قرأ في كتبه وخبرها وانظر على سبيل المثال (الفتاوى: 18/ 123، 383. 25/ 180) (المنهاج: 4/ 45، 236، 274، 316، 483، 561).
القرينة الثامنة: في كتابنا ص 359 عزا إلى ((مسروق)) قولاً في مسألة أصولية، وعزاه إليه أيضًا شيخ الإسلام في ((المسودة: 327)). وهذا العزو إلى مسروق مخالف لبقية المصادر فإنهم قد عزوه لابن سيرين كما في (مصنف ابن أبي شيبة 6/ 241، وقواطع الأدلة: 3/ 265، والواضح: 5/ 165، والمغني: 9/ 23).
القرينة التاسعة: أن القول المعروف عند الشافعية أن قول الصحابي ليس بحجة في مذهب الشافعي الجديد، لكن شيخ الإسلام خالف ذلك وقال: إنه حجة حتى في الجديد أيضًا (الفتاوى 20/ 14)، وانتصر له تلميذه ابن القيم في (إعلام الموقعين: 5/ 550 - 555)، وهذا القول موجود أيضًا في كتابنا (ص561). وقد ألف أبو سعيد العلائي كتاب (إجمال الإصابة في أقوال الصحابة) في الانتصار لهذا القول.
القرينة العاشرة: توافق الكثير من مباحث الكتاب مع ما في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، ولنذكر بعضها:
1 - كلامه في التقليد وأنواعه (التنبيه: 590. الفتاوى: 20/ 15، 17).
¥