ـ[بل الصدى]ــــــــ[24 - 12 - 2009, 02:49 ص]ـ
سلمت أستاذتنا بل الصدى على اختيار القصيدة المثيرة للشجن وهي من القصائد التي يعاد إليها المرة بعد المرة ففيها جرعات من أدوية مختلفة.
ننتظر بقية الحديث.
سلمك الله أستاذنا الكريم.
ـ[بل الصدى]ــــــــ[24 - 12 - 2009, 11:50 م]ـ
و نفس كثيّرٍ و إن كانت حرّةً عزيزةً تأبى أن تُذلّ، أو أن يغلبها الوجد و الهيام على أمرها، فإنّها ترّق لعزّة - وحدها -، و تبذل لها بحبٍّ صادق عميق قلّما تمنحه النفس مثله إلا إذا بلغت درجاتٍ عاليةً من الحبّ الخالص النادر، و لا أدلّ على ذلك من التماس العذر و بذل العرض لها، و في هذا يقول:
يكلّفها الغيران شتمي و ما بها=هواني و لكن .. للمليك استذلّتِ
هنيئا مرئيًا غير داءٍ مخامرٍ=لعزّة من أعراضنا ما استحلّتِ
و في موضعٍ آخر يقول:
فإن تكن العتبى .. فأهلا و مرحبًا=و حقّت لها العتبى لدينا و حلّتِ
و يقول:
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومةً= لدينا و لا مقليّةً إن تقلّت
وَلَكِن أَنيلي وَاِذكُري مِن مَودَةٍ = لَنا خُلَّةً كَانَت لَدَيكُم فَضَلَّتِ
و يقول - و هو من أروع ما قرأت -:
فإنّي- و إن صدّت - لمثنٍ و صادقٌ=عليها بما كانت إلينا أزلّتِ
فلله هذه النفس السامية .. ما أصبرها!، و ما أصدق وفاءها!، و ما أشدّ ما ألمت و تألّمت!
و كيف لا تألم و صاحبها يقول:
و ما كنت أدري قبل عزّة ما البكا=و لا موجعات القلب حتّى تولّتِ
و كيف لا تألم و هي المبيحة لعزّة فضاءاتٍ - من نفس مرهفة - لم يخفق فيها جناح حِبٍّ غيرها:
أباحت حمًى لم يرعه الناس قبلها=و حلّت تلاعًا لم تكن قبلُ حلّتِ
و كيف لا يستنطق ذوب قلب الشاعر الدمع و يحرّك كوامن النفس و قد كادت نفسه تذهب حسراتٍ من تلك التي ما أنصفتْ:
. . . . أما النساء فبغّضت= إلينا و أمّا بالنوال فضنّتِ و مع كلّ ذاك يُقال عنها:
فو الله .. ثم اللهِ ما حلّ بعدها =من خلّةٍ حيثُ حلّتِّ
و ما مرّ من يومٍ عليَّ كيومها=و إن عظمت أيّام أخرى و جلّتِ
و حلّت بأعلى شاهقٍ من فؤاده=فلا القلب يسلاها ولا النفس ملّتِ
تستوقفني كثيرًا هذه القيم الروحيّة النادرة عند كثيّر، تلك التي تبدي - و بجلاء - طبيعته المحافظة التي لا تمنح الحب لأيّ أحد، و أعجب أشدّ العجب من نفسه كيف صادقت كلّ هذا الكمّ الهائل من الألم و أتت بهذه الفرائد من المعاني المصوغة بإتقان و فنٍّ عجيبين، و التي لا تنساق و تطمئنّ عند غيره إلا إذا عالجها بارتياح و تفرّغ لا تشتت فيه و لا ألم!
و للحديث - بإذن الله - بقيّة. . .
ـ[ظبية مكة]ــــــــ[25 - 12 - 2009, 01:17 ص]ـ
كم يسعدني أن أجد هذا الانطباع عما أكتبه!! خاصة عندما يصدر من أديبة ذات ذائقة مرهفة!
و كنت قد حدثت النفس قبل عرض ما كتبته بقولي: مالك و الأدب؟!، و قد استأثر بك النحو بجدله و عللة؟! فأتيتكم على استحياء أعرض سوانح لا ألتزم فيها بشيء سوى ما أحسه.لم يصل كثير للمرحلة التي تصورتها يا عزيزتي
لقد ماتت عزة قبل كثير، و قد تزوج الرجل و أنجب، فلم يقض لمّا حيل بينه و بينها، للرجل منطق لا تدركه كل امرأة، و طبيعته التي جبل عليها قلما تفضي به لليأس المطلق عند ضياع هدف ما و بخاصة الحب، ففي حين تموت المرأة من هذا و تقضي الأيام و الليالي في التوجع و البكاء، نجد الرجل يركن لما يستغرقه بكليته لئلا يدع مجالا للتذكر و التألم، هذا من جهة، و من جهة أخرى لا تنسي الزمن الذي دارت فيه فصول هذا القصة، فالعربي في تلك الحقبة أبسط منه بعد تأثره بالثقافات المختلفة و الفلسفة و الترف و اللهو الوافد.
لا أريد أن أستطرد في هذا الجانب كثيرا، و يبقى ما عرضتُه و عرضتِه وجهات نظر ليس لها طابع الإلزام.
سأتمّ ما كتبته بإذن الله ما لم يحبسني حابس، و ستكون سعادتي غامرة إذا ما أنار تعليقك أسطري. .
فتقبلي صفو الود و دمت بخير.
ولماذا الاستحياء أيتها الغالية؟
لقد وجدت أهل النحو بجدله وعلله من أرق الناس طبعا, وأغزرهم عاطفة
وإن بدوا أكثر" جدّية" منّا نحن" الدراويش" أهل الأدب!
قصدت بقولي" خيبة الرجاء في الحياة بوجه عام "الإشارة إلى ما كتبه د. طه
حسين في كتابه أظنه (حديث الأربعاء) إن لم تخنّي الذاكرة- يستطيع أستاذي
الفاضل عامر مشيش نجدتي هنا-فيما يتعلق بعوامل وأسباب نشوء
" ظاهرة الحركة العذرية في الشعر العربي" حيث أرجعها بعضهم إلى أسباب دينية وخلقية, وعلّلها آخرون بعلل نفسية أو سياسية أو حضارية.
وقد رجّح د. عبد القادر القط في كتابه الرائع (في الشعر الإسلامي والأموي) "التفسير السياسي" لنشوء هذه الظاهرة، حيث انتقل السلطان السياسي "الخلافة "من جزيرة العرب إلى بلاد الشام ,وجُرِّدت تلك الجزيرة من كل شيء بعد أن كانت مهد الإسلام ومصدر قوته.
وربما كان قول كثيِّر في هذا البيت:
فإن سأل الواشون فيم هجرتها ... فقل نفس حر سُليت فتسلت
أقول -وهذا من قول الظبية وليس طه حسين-ربما قوله "نفس حر"ما يؤيد ذلك التفسير.
والحديث موصول بإذن الله تعالى.
¥