تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وروى عن الأصمعيّ قال: حدثني أبو عمرو بن العلاء قال: حدثني رجل من بني تميم قال: خرجت في طلب ضالة لي. فبينما أنا أدور في أرض بني عُذرة أنشد ضالتي، إذا بيت معتزل عن البيوت، وإذا في كسر البيت شابٌ مغمى عليه، وعند رأسه عجوز لها بقية من جمال، وهي ساهية تنظر إلى وجه الفتى. فسلمت فردت السلام. فسألتها عن ضالتي فلم يك عندها منها علم. فقلت: أيتها العجوز، من هذا الفتى؟ قالت: ابني، ثم قالت: وهل لك في أجر لا مؤونة فيه؟ فقلت إني

لأحب الأجر وإن رزئت فقالت: إنة ابني هذا يهوى ابنة عم له علقها وهما صغيران، فلما كبر حجبت عنه، فأخذه شبيه بالجنون، ثم خطبها إلى أبيها فامتنع من تزويجه، وخطبها غيره فزوجها إياه، فنحل جسم ولدي واصفر لونه وذهل عقله، فلما كان منذ خمس، زفت إلى زوجها، فهو كما ترى: لا يأكل ولا يشرب، مغمى عليه فلو نزلت إليه فوعظته قال: فنزلت إليه فلم أدع شيئاً من الموعظة إلا وعظته به حتى أن قلتله فيما قلت: إنهنّ الغواني صاحبات يوسف، ناقضات العهد، وقد قال فيهن كثير عزَّة:

هل وصل عزَّة إلا وصل غانية. . . في وصل غانيةٍ من وصلها خلفُ؟

قال: فرفع رأسه، محمرةً عيناه كالمغضب، قال: لست ككثير عزة إنّ كثيراً رجل مائقٌ، وأنا رجل وامقٌ ولكنني كأخي تميم حيث يقول:

ألا لا يضير الحبُّ ما كان ظاهراً،. . . ولكنَّ ما اختاف الفؤاد يضيرُ

ألا قاتل الله الهوى كيف قادني. . . كما قيد مغلول اليدين أسيرُ فقلت له: فإنه قد جاء عن نبينا (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: من أُصيب منكم بمصيبةٍ فليذكر مصابه بي.

فأنشأ يقول:

ألا ما للمليحة لا تعودُ؟. . . أ بخلٌ بالمليحة أم صدودُ؟

مرضت فعادني أهلي جميعاً. . . فما لك لا نرى فيمن يعودُ

فقدتك بينهم فبكيت شوقاً،. . . وفقد الإلف يا أملي شديدُ

وما استبطأت غيرك فاعلميه. . . وحولي من ذوي رحمي عديدُ

ولو كنت السقيمة، كنت أسعى. . . إليك ولم ينهنهني الوعيدُ

قال: ثم شهق شهقةً وخفت، فمات. فبكت العجوز وقالت: فاضت والله نفسه فدخلني أمر لم يدخلني مثله قط. فلما رأت العجوز ما حلَّ بي، قالت: يا فتى لا ترعْ عاش بأجلٍ، ومات بقدر، وقدم على ربٍّ كريم، واستراح من تباريحه وغصصه ثم قالت: هل لك في استكمال الصنيعة؟ قلت: قولي ما أحببت قالت: تأتي البيوت فتنعاه إليهم ليعاونوني على رمسه، فإني وحيدة. قال: فركبت فرسي وقصدت البيوت وأقبلت أنعاه إليهم. فبينما أنا أنعاه، إذا خيمةٌ رُفع جانبٌ منها، وإذا امرأة قد خرجت كأنها القمر ليلة البدر. ناشرة شعرها، تجرُّ خمارها، وهي تقول: بفيك الكثكث بفيك الحجر من تنعي؟ قلت: أنعي فلاناً قالت: أو قد مات؟ قلت: إي والله قد مات قالت: فهل سمعت له قولاً، قلت: اللهم لا، إلا شعراً، قالت: وما هو؟ فأنشدتها قوله: ألا ما للمليحة لا تعود الأبيات فاستعبرت باكية وأنشات تقول:

عداني أن أزورك يا مناي. . . معاشر كُلُّهم واشٍ حسودُ

أشاعوا ما علمت من الدواهي. . . وعابونا، وما فيهم رشيدُ

فأما إذ ثويت اليوم لحداً. . . فكلُّ الناس دورهم لحودُ.

فلا طابت لي الدُّنيا فواقاً. . . ولا لهم ولا أثري عديدُ

ثم شهقت شهقةً وخرَّت مغشياً عليها، وخرج النساء من البيوت واضطربت ساعة وماتت. فو الله ما برحت حتَّى دفنتهما جميعاً.

الكتاب: نهاية الأرب في فنون الأدب ـ ج2 ص197 - 199

المؤلف:

شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري

دار النشر:

دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان - 1424 هـ - 2004 م

الطبعة:

الأولى

ووردت القصة أيضا في كتاب ذم الهوى

الكتاب: ذم الهوى

المؤلف:

أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن الجوزي

ـ[زاهر الترتوري]ــــــــ[03 - 07 - 2010, 02:03 ص]ـ

أهلا بك أخي عز الدين، وسعيد بنقاشك ومداخلتك، احترم وجهة نظرك وأقدر أفكارك، من حقي أن أثبت ما كنت توصلت إليه في وقت سابق في موضوع كثير، ومن حقك أن تدافع، وما القصة إلا شرارة البداية.

.............................................................

على هامش الموضوع

بالمناسبة كان لي موقف من كثير منذ زمن وقد بتُّ متأكدا من عدم مصداقيته بعدما قرأت شعره الذي يبرأ فيه من الخليفتين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما.

ثم هل تدري بأن كثيرا يؤمن بالتناسخ ويؤمن بالرجعة.

ـ[زاهر الترتوري]ــــــــ[03 - 07 - 2010, 02:18 ص]ـ

هل وصل عزة إلا وصل غانية ... في وصل غانية من وصلها بدل

بيت كثير هذا وثقته من ثمانية عشر مصدرا من عيون كتب الأدب والنحو، ولو افترضنا أن القصة غير صحيحة رغم وجودها في البداية والنهاية لابن كثير وفي كتاب ذم الهوى لابن الجوزي فإن هذا البيت دلالة واضحة وحجة دامغة على زيف ادعائه.

وقد أورد ابن الجوزي في كتابه ذم الهوى فصلا بعنوان:

فصل وقد ذكر في المشتهرين بالعشق كثير عزة وليس بذاك

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير