وبالفعل .. اغتسل .. وتطهر .. وسلم على والدتي .. ودخل على رند وأيقظها من نومها يريد توديعها .. أرادت أن تقبل رأسه فقبل هو رأسها .. فأنزلت نفسها ليده فسبقها ليدها وقبلها .. ثم دخل على رزان وودعها وهي نائمة .. ونزل في الساعة الثانية والنصف أو تزيد .. وأنا أنتظره .. أريد توديعه قبل ذهابه .. !
وضع أغراضاً كانت بيده .. وأراني ورقةً وهو يقول: أوصلوها إلى فلانٍ من الزملاء .. وكأنه لن يعود حتى يوصلها هو .. !
وحين أراد الخروج سلمتُ عليه مقبلةً رأسه ويده .. وهو يقول: الله يكرمك يا بنيتي .. وابتسامته قد أنارت وجهه وهو ينظر إلي نظرةً رأيتُها نظرة مودّع .. !
إي والله هذا ما جاء في نفسي .. !
أحاطته ريم بذراعيها .. وضمته بقوة .. فضمها أكثر .. وضعت أذنها على بطنه وهي تقول: بطنك جائع .. !
ضحك من قولها ونظر إلي وهو يقول: بعذري يا بنيتي ما أكلت شيئاً من الساعة العاشرة .. !
ثم .. خرج .. وما لبث أن عاد .. !
وصعد الدرج وهو يقفز بعضه .. وأنا متعجبة من نشاطه المفاجئ .. إذ لم يكن هيناً عليه لهذه الدرجة .. !
هربت إلى المجلس .. وأنا أدافع العبرة .. ولا أريد رؤيته وهو يخرج ..
ثم عدت إلى كتابي وأنا أطرد هموماً اجتاحت نفسي .. !
... ...
مرت علينا الساعات ثقيلةً صعبة .. إلى أن أرسل لنا عاصم في الساعة الخامسة والثلث يقول:
(دخل الوالد الآن غرفة العمليات ..
دعواتكم له .. )
رسالة صعبة .. لا أستطيع وصف المشاعر تجاهها .. !
استودعته الله من كل قلبي .. ولساني لا يفتر عن الدعاء له .. !
وبعد ساعتين ونصف .. أي في الساعة الثامنة إلا ربع تقريباً .. اتصلت بعاصم لأن الغالي يُفترض أن يكون قد خرج من غرفة العمليات إلى غرفة الإفاقة بناءً على كلامهم ..
لم يرد علي .. فاتصلت ثانية .. وثالثة .. وقلبي يكاد يخرج من مكانه ..
قلت: لعله يصلي ..
فاتصلت على المشفى .. وأنا في قمة الاضطراب .. لم أجد تجاوباً معي ..
إلى أن وصلت الدقائق .. الخمسة عشر بعد الثمان .. فاتصل عاصم .. وصوته مستبشر .. يقول بأن حبيبنا خرج إلى غرفة الإفاقة .. والعملية ناجحة ولله الحمد ..
ذرفت دموعي بشدة .. وسرت مسرعةً أبشر والدتي وأخواتي ..
انتظرنا إفاقته بفارغ الصبر .. لكن لم يأتنا خبر بهذا ..
خرجنا من المنزل الساعة التاسعة .. ونحن نحمل في أيدينا ما أوصانا به والدنا .. القميص الأبيض الذي يحبه .. شاحن الجوال .. علاقة للثياب ..
في السيارة .. اتصل عاصم يبشرنا بأنه أفاق .. وكانت الساعة التاسعة والربع .. لكنهم لم يحضروه إلى الغرفة .. زاد اطمئناني .. ولله الحمد ..
وحين وصلنا للمشفى .. دخلنا الغرفة المخصصة .. ونحن ننتظر قدومه إلينا ..
ومن هنا بدأت حكاية الألم .. !
... ...
فتحوا باب الغرفة على مصراعيه .. وأدخلوا سريراً يحمل أغلى إنسان لدينا .. في الساعة العاشرة إلا ثلث ..
موقف صعب .. عسِر .. مُذهل .. مُبكٍ .. مُدمٍ .. صفوا كيف شئتم ..
حين رأت أعيننا الحدث .. حبيب مسجّى .. لا يملك أي قوة .. وهم ينقلونه من سرير إلى آخر .. !
لم تتحمل أخواتي المنظر فبدأن بالبكاء بصوت عال ..
بدأت أهدئهنّ .. خشيةً من أن يحزن والدي لأجلهن.
.... وللقصة تتمة!
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[23 - 07 - 2010, 02:08 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... أما بعد:
تابع حكاية ألم
ثم .. تقدمت والدتي للسلام عليه .. أتيت بعدها .. فتح عينه ونظر إلي وقال: هلا ببنيتي .. قبلت رأسه .. ولساني لا يستطيع النطق .. لأن دمعتي مربوطة معه .. !
سلمَت عليه أخواتي وأخي ..
وجاءت الممرضة تطمئن عليه .. ثم قالت: نبضات القلب ممتازة .. الحرارة ممتازة .. الأكسجين ممتاز .. لكن الضغط منخفض .. !
بصراحة لم أكن أعلم خطورة انخفاض الضغط وسببه .. وأرجو أن لا أعلم مرةً أخرى .. !
... ...
بدأت أمي بالقراءة عليه ..
وكان يستيقظ مرةً .. ويفقد وعيه مرات .. وفي إحداها .. أذكر أنه فتح عينه .. وكنت وأخي عاصم وأمي فوق رأسه .. فقال: كم الساعة؟ قلنا: عشر .. قال: لم أصلّ المغرب ولا العشاء .. متى ينتصف الليل؟
قلنا: لا زال في الوقت بقية .. ارتح فقط ..
ومرة .. فتح عينيه .. ونظر إلى ريم مبتسماً .. ثم قال: هل شربت دواءها؟!!
¥