تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:

لنتابع القصة " حكاية ألم "

قال: جمانة .. سأقول لك كل شيء .. وأنت بالذات لن أخفي عنك أي شيء .. !

قلت: هات .. واحتمل يا قلب .. !

ليُفاجأني: أبي عنده نزيف داخلي .. !!!

حروفي تتبعثر أمام هذا الخبر .. لكني أبشركم أني استقبلته بنفس هادئة .. سكينة ورحمة من الرحيم الرحمن ..

اتجهت إلى القبلة .. لأتضرع لمن بيده الحول والقوة ..

ومن الطريف المُبكي؛ أني كنت أدعو: اللهم يا ولي نعمتي , ويا ملاذي في كربي , اجعل ما نخشاه من نزف والدي برداً وسلاماً عليه , كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم ..

فيهتف هاتف في نفسي: ربما يكون البرد والسلام على أبيك .. هو قبض روحه .. !!

ثم كأني أتراجع عن الدعاء قليلاً .. وأعود له مذكرة نفسي بأن قضاء الله حاصل .. وهو الحكيم العليم الرحيم سبحانه ..

عشتُ ساعات من الكُرَب كأشد ما تكون الكُرَب ..

ليس لي حول ولا قوة ..

أتمنى إخراج دمي كله لوالدي ..

أتمنى فداه لو كان ذا بيدي ..

لكن ما نقول إلا:

الحمد لله على كل حال ..

رضينا بقدر الله ..

وحين بزغ فجر ذاك اليوم .. لم يكن مضيئاً كعادته .. وكأن الليل لم يودعنا .. بل ازداد سواده .. واشتدت ظلمته ..

كنت أحمل هماً آخر .. وهو: كيف ستعلم جدتي بما حصل لفلذة كبدها .. !

لم يخبرها عن دخوله العملية .. حتى لا يضيق خاطرها لأجله .. !

هو أبي .. يحافظ على ابتسامة أمه .. حتى وإن آل إلى أحلك الظروف ..

وإن كان في أشد الحاجة لدعائها له ..

لا يريد لقلبها الغم .. ولا لخاطرها الهم ..

اسعدي يا جدتي بهذا الولد الخلوق .. !

...

وهمٌّ مُكلفة به أنا وعاصم: تبليغ والدتي بما حصل .. لأني أخفيته عنها عُنوةً لترتاح قليلاً ..

ولكن .. يبدو أنها كانت راقدة على جمرٍ مُحرقٍ ..

فقلبها المحب الرقيق .. لا يحتمل مثل هذه المواقف .. !

...

دخلتُ عليها بعد أن استجمعت كل شجاعتي .. وحين رأت وجهي علمت بأن ورائي خبراً صعباً ..

قلت: والدي تعب قليلاً ..

بادرتني مباشرة: هو في العناية؟

قلت: نعم .. احتاج بعضاً من الرعاية , فنقلوه إليها ..

وقع الخبر عليها كالصاعقة الفاجعة ..

ووضعت يدها على قلبها في تصبرٍ .. واسترجعت .. ثم التفتت إلي بهمسٍ تقول: هو حي؟

اندهشتُ وخفت: نعم يا أمي حي .. لا تخافي .. لن يحصل غير المكتوب ..

ربما توقّعها من البداية موته .. خفف عنها مصيبة دخوله العناية ..

الحمد لله .. الحمد لله ..

... ...

مضت بعض الدقائق .. ووالدتي في بكاءٍ ودعاء ..

هاتفتُ عاصماً أخبره برغبة أمي في زيارة والدي .. رفض رفضاً قاطعاً .. وهو يخاف من عدم تحملنا رؤيته وهو مسجّى تحت الأجهزة .. !

استسلمَتْ أمي في بادئ الأمر .. ثم فزعت إلى عباءتها وهي تقول: سأذهب سأذهب ولا تقولي لعاصمٍ شيئاً .. لبستُ عباءتي وراءها مسرعةً .. وانطلقنا إلى المشفى ..

وصلنا إلى غرفة والدي في قسم التنويم .. تأثرنا أكثر .. كيف أنه كان هنا قبل ساعات .. !!

وفجأة ..

حُمل إلى مكان أكثر عناية .. لأن وضعه أكثر خطورة ..

نتيجة خطأ طبي أدى إلى ثقب شريان ووريد ..

حدث من جرائه نزيف في البطن .. !

الحمد لله على كل حال ..

أخبرتُ عاصماً بقدومنا .. تضايق قليلاً .. ثم قادنا إلى ... العناية ..

وهناك .. وجدنا عمي أحمد واقفاً بجواره ..

دخلنا ببكاءٍ مكتوم .. ورأينا ما لا تطيق العين رؤيته ..

حبيبٌ غالٍ .. أبٌ حنون ..

فوق سرير أبيض ..

حوله طاقم طبي ..

علّقوا جميع ما يجيدون من أجهزةٍ .. في جسمه النحيل ..

وعيناه العسليتان .. مغطيتان بشاشٍ أبيض ..

وكأنهم يخبرونا .. بأن نظرته الرائعة .. الحنونة .. المُداوية ..

لن ترانا أبداً .. أبداً .. أتعلمون ما معنى أبداً؟؟!!

أبدية دنيوية بالتأكيد .. وإلا فلقاء المؤمنين في الجنات يُنبت في قلوبهم الصبر والاحتساب ..

وقعت عيني على جهاز القلب .. وهو يصيح كل بضع ثوانٍ ..

رأيت حركة قلب والدي حبيبي ..

لكن قلبي الذي بين أضلعي .. انعصر .. حين رأيت الجهاز .. لا أعلم لماذا؟!! .. ربما .. الخوف .. من النهاية .. !!

الحمد لله ..

قرأتُ عليه ووالدتي بضع آيات .. ممزوجةً بالعبرات والدمعات ..

حتى أخرجونا .. لننظر له النظرة الأخيرة ..

وقلبه ينبض ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير