آخر نظرة نظرتها له .. حيّاً .. وهو بهذه الحال المُريعة ..
حبيبي .. ودعته .. واستودعته .. الباري الرحيم ..
لأتركه بين المشرّحين .. والجرّاحين ..
وداعاً .. أبي ..
... ...
خرجنا ونحن في حال لا يعلمها إلا الله ..
رجعنا لغرفته ..
وقلوبنا متوجهة بالدعاء بكل ما أوتيت من قوة ..
موقف صعب .. صعب ..
هل عشتموه معي؟!!
كل ما ذكرته .. هي خيوطٌ قليلةٌ من مشاعري في هذه اللحظات ..
فقط ضعوا صورةً أمامكم ..
ارسموا فيها سريراً أبيضَ ..
وعدداً كبيراً من الأجهزة ..
وتخيلوا أعزّ عزيز لكم .. يعيش بينكم .. يأكل معكم .. يلاعبكم .. يوماً يعاتبكم ..
فوق هذا السرير ..
وبجانبه جهازٌ يخطط دقات القلب .. في شكلٍ مخيف ..
لن تستطيعوا تحمل خيال الموقف .. خياله فقط لن تتحملوه .. !!
كيف بنا وقد رأيناه واقعاً أمامنا؟!!
لكن أبشركم .. أننا نحمد الله على ما حصل .. اطمئنوا ..
اختيار الله .. وقضاؤه .. إذن نحن راضون .. ومسلّمون ..
لك الحمد ربي ..
... ...
عدنا أدراجنا إلى غرفته .. بقينا فيها قليلاً متأثرون مما حصل .. !
وخرج عاصم من المشفى .. ليتصدق عن أبي أملاً في شفائه ..
وبعد مدة من الدقائق اليسيرة .. هاتفتُ عمي أحمد أسأله عن حالة والدي .. هل تحسنت أم لا .. !
فقال: أنا في الحقيقة خرجت يا جمانة .. لا فائدة من جلوسي .. وضعه كما هو لم يتغير .. !
شكرته .. وأنا أدافع عبرتي .. ثم .. قلت لأمي: لا فائدة نحن أيضاً من جلوسنا .. لنعد من حيث أتينا .. أنقى وأصفى للدعاء والتضرع ..
دارت أمي في الغرفة وهي تبكي بشدة .. فتحت دولاب الملابس .. وأخذت تضم شماغه وثوبه .. في بكاءٍ مُؤلم .. وأنا أُهدئها وأقول: لا يلعب بك إبليس .. استعيذي من الشيطان يا يمه .. لم يزل حيّاً الله يشفيه ..
أمسكَتْ بنظارته وساعته .. وهي تنظر إلي وتقول: سآخذها .. سآخذها معي ..
أغلقتُ الدولاب لئلا تزيد في تفجعها ..
وخرجنا .. وكيانُنا غارقٌ في الألم ..
ركبنا السيارة .. ونحن في الطريق .. فتحت أمي شنطتها .. وأخرجت منها غرضاً تريده ..
فسقطت ساعة الحبيب على مرتبة السيارة .. من غير أن تشعر أمي .. أخذتها بسرعة .. وأدخلتها في شنطتي .. !
وصلنا البيت .. في الساعة الثامنة وزيادة تقريباً .. استقبلتنا أخواتي .. متلهفاتٍ لأي أمل .. أخبرتهن بأن حالة أبينا .. خطيرة .. وحثثتُهن على الدعاء .. فليس للمؤمن إلا الالتجاء لمولاه ..
الحمد لله ..
انفرد كلٌ منا في غرفته .. نبتهل ونتضرع .. للرحيم الحكيم .. وبين الفينة والأخرى .. يخرج أحدنا مستكشفاً أحوال الآخرين ومترقباً لأي بشرى وصلته قبل غيره ..
ولا أعلم كيف استقبلت جدتي خبر حبيبها المفاجئ .. !
لكن الأكيد .. أنّ قلبها تفطر ..
الحمد لله ..
...
حالنا بين أمل .. وألم ..
ورجاء .. وخوف ..
أحادث نفسي وقتاً .. أريد بعث الأمل فيها .. فأقول: سيستيقظ والدي .. وسأخبره بكل ما جرى ..
سأحكي له وجلنا عليه ..
سأسرد له كل ما حصل ..
سأُعلمه بحجم حبنا له ..
سأفتح له قلبي ليرى عظيم خوفي عليه ..
أريد أن أجلس أمامه .. وأسكب له فنجان القهوة .. التي عملتها .. وحبكتها .. لأجله .. كما يحب ذلك مني ويطلبه دوماً ..
وأقطع له من الحلوى .. التي يعشقها .. ويستلذّ بأكلها ..
الحلوى التي كان يشتهيها حتى وهو في مرضه ..
لازلت أذكر حين كان طريح الفراش .. ويوم أن خفّ عليه بعضٌ من الألم .. فصاحت معدته بأنها فارغة لمدة يوم ..
دخلت علي رزان .. في غرفتي .. بعد العشاء .. وقالت: أبي يريد الحلا الذي يحبه ..
نزلتُ راكضةً مستبشرة .. وعملته له ..
وكنا إذا أردنا أن نصنع تلك الحلوى بعد ذلك نقول: الحلوى التي يحبها والدي .. فعُرف هذا الوصف عندنا جميعاً حتى عند عماتي ..
يبدو أني استطردت بعيداً .. المعذرة .. أحب أصغر ذكرى مع والدي حبيبي ..
ولا لوم علي .. ! هذا الوالد .. الحبيب .. الغالي .. العزيز ..
...
سأعود لصباح يوم الخميس الثاني من ربيع الثاني ..
تابع ....
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[26 - 07 - 2010, 12:36 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
تابع قصة حكاية ألم
بقينا على حال الخوف والوجل .. والتفاؤل والأمل ..
¥