وهذه من أروع قصائد عبد الرحمن العشماوي
أبكي، وماذا تنفَع العَبَراتُ وجميعُ أهلي بالقذائف ماتوا؟
ماتوا، وجيشُ المعتدين، قلوبُهم صخرٌ، فلا نبْضٌ ولا خَلَََجاتُ
تحت الرُّكام، أَنينُهم وصُراخُهم كم مزَّقتْ وجدانيَ الصَّرخاتُ
أبكي، وأشلاءُ الأحبّةِ خيّبَتْ ظنَّ الرَّجاءِ، وزاغَت النظراتُ
ياليلة القَصْف الرَّهيب، تحطَّمتْ فيكِ المبادئُ، واستبدَّ غُزَاةُ
وحشيةٌ، لو أَنَّ هولاكو رأى لتصعّدت من قلبه الزَّفراتُ
بتْنا على لَهَب المواجع والأسى والمعتدونَ على الأسرَّةِ باتوا
أطفالُهم يستمتعون بأمنهم وصغارُنا فوقَ الرَّصيفِ عُراةُ
فَزَعُ الصِّغار يزيد من إحساسنا بالظلم، إنَّ الظالمينَ قُساَةُ
ماذا يفيد الدَّمْعُ، والدَّمُ هَهُناَ يجري، ودِجْلَةُ يشتكي وفُراتُ؟!
ماذا، وبغدادُ المفاخر أصبحتْ عطْشَى، تُلمِّظ قلبها الحسراتُ؟
بغدادُ، يا بغدادُ ما التَفَتَ المدى إلا وعندكِ تُورق اللَّفتاتُ
بغدادُ ماابتسمتْ رؤى تاريخنا إلاً وعندكِ تُشرق البَسَماتُ
صوت المآذِن فيكِ يرفعنا إلى قمم تشيِّدها لنا الصَّلواتُ
أوَّاه يا بغدادَ أَقفرتِ الرُّبى ورمَى شموخَ الرَّافدين جُناةُ
لغةُ الحضارةِ أصبحتْ في عصرنا قَصْفاً، تموت على صداه لُغات
لغةُ تصوغ القاذفاتُ حروفَها وبعنْفها تتحدَّث العَرَباتُ
أو هكذا،تلقى العدالةُ حَتْفَها في عصرنا، وتُكحَّمُ الشَّهَواتُ!
ماذا يفيد الدَّمْعُ يا بغدادَنا وخَطاكِ في درب الرَّدىعثرات
ماذا يفيد الدَّمْعُ يا محبوبةً تبكي على أشلائها الحُرُماتُ
ماذا، وألفُ قذَيفةٍ وقذيفةٍ في عَرْضها تتنافسُ القنواتُ؟
ماذا، وأبناء العُروبةِ نظْرةٌ وهَجَتْ، وعقلٌ تائهٌ وسُكاتُ؟
أبناءَ أمتنا الكرامَ، إلى متى يقضي على عَزْمِ الأبي سُباَتِ؟
الأمرُ أَكْبَرُ،والحقيقةُ مُرَّةٌ وبنو العروبةِ فُرْقَةٌ وشَتات
وعلى ثغور البائسين تساؤُلٌ مُرُّ المَذاقِ، تُميتُه البَغَتاتُ
أين الجيوشُ اليَعْرُبيَّةُ، هل قَضَتْ نَحْباً، فلا جندٌ ولا أَدَواتُ؟!
هذا التساؤل، لا جواب لمثله فبمثله تتلعْثَمُ الكلماتُ
لو كان للعَرَبِ الكرام كرامةٌ ما سرّبَتْ سُفُنَ العدوِّ قَناَتُه
الأمر أكبرُ يا رجالُ، وإِنَّما ذهبتْ بوعي الأُمَّة الصَّدَماتُ
الأمرُ أمرُ الكفر أعلن حربَه فمتى تَهُزُّ الغافلين عِظَاتُ؟!
كفرٌ وإسلامٌ، وليلُ حضارةٍ غربيَّةٍ، تَشْقَى بها الظُّلُماتُ
يا ماردَ الغرب الذي لعبتْ كأس الغُرور، وسيّرتْه طُغاةُ
نزواتُ قومٍ، قادت الأعمى إلى لهبٍ، كذلك تَقْتُلُ النَّزَواتُ
أبناءَ أمتنا الكرَامَ، إلىَ مَتى تَمتَدُّ فيكم هذه السَّكَراتُ؟!
ماذا أقول لكم؟،وليس أمامنا إلا دخانُ الغدر والهَجَماتُ؟!
هذا العراقُ مضرَّجٌ بدمائه قد سُوِّدَتْ بجراحه الصَّفحاتُ
وهناكَ في الأقصَى يَدٌ مصبوغةٌ بدمٍ، وجيشٌ غاصبٌ وبُغاةُ
ماذا أقول لكم؟ ودُور إِبائكم لا ساحةٌ فيها ولا شُرُفاتُ؟
ماذا أقول لكم؟ وبَرْقُ سيوفكم يخبو، فلا خَيْلٌ ولاَ صَهَواتٌ؟
قصَّتْ ضفائرَها المروءَةُ حينما جمد الإباءُ وماتت النَّخَواتُ
بكت الفضيلةُ قبل أنْ نبكي لها أسفاً، وأدْمتْ قلبَها الشَّهَواتُ
عُذراً، إذا أقسمْتُ أنَّ الرِّيحَ قد هَبَّتْ بما لا تفهم النَّعَراتُ
لن يدفَعَ الطُّغيانَ إلا دينُنا وعزيمةٌ تُرْعى بها الحُرُمات
إني لأُبصر فجر نَصْرٍ حاسمٍ ستزفُّه الأنفالُ والحجْرات
ـ[عز الدين القسام]ــــــــ[08 - 02 - 2010, 01:11 ص]ـ
.
الشاعر الشهيد الفلسطيني عبد الرحيم محمود:
سَأَحمِلُ روحي عَلى راحَتي = وَأَلقي بِها في مَهاوي الرَّدى
فَإِمّا حَياةٌ تَسُرُّ الصَديقَ = وَإِمّا مَماتٌ يَغيظُ العِدى
وَنَفسُ الشَريفِ لَها غايَتانِ = وُرودُ المَنايا وَنَيلُ المُنى
وَما العَيشُ لا عِشتَ إِن لَم أَكُن = مَخَوفَ الجِنابِ حَرامَ الحِمى
إِذا قُلتُ أَصغى لي العالَمونَ = وَدَوّى مَقالي بَينَ الوَرى
لَعَمرُكَ إِنّي أَرى مَصرَعي = وَلكِن أَغذُّ إِلَيهِ الخُطى
أَرى مَقتَلي دونَ حَقّي السَليب = وَدونَ بِلادي هُوَ المُبتَغى
يَلِذُّ لِأُذني سَماعُ الصَليل = يَهيِّجُ نَفسي مَسيلُ الدِّما
وَجِسمٌ تَجَدَّلَ فَوقَ الهِضابِ = تُناوشُهُ جارِحاتُ الفَلا
فَمِنهُ نَصيبٌ لِأُسدِ السَماءِ = وَمِنهُ نَصيبٌ لِأُسدِ الشَرى
كَسا دَمُهُ الأَرضَ بِالأُرجُوانِ = وَأَثقَلَ بِالعِطرِ ريحَ الصَبا
وَعَفَّرَ مِنهُ بَهِيَّ الجَبينِ = وَلكِن عَفاراً يَزيدُ البَها
وَبانَ عَلى شَفَتَيهِ اِبتِسام = مَعانيهِ هُزءٌ بِهذي الدُنا
وَناَ لِيَحلمَ حُلمَ الخُلودِ = وَيَهنَأَ فيهِ بِأَحلى الرُوءى
لَعُمرُكَ هذا مَماتُ الرِجالِ = وَمَن رامَ مَوتاً شَريفاً فَذا
فَكَيفَ اِصطِباري لِكَيدِ الحُقودِ = وَكَيفَ اِحتِمالي لِسومِ الأَذى
أَخَوفاً وَعِندي تَهونُ الحَياةُ = وَذُلّاً وَإِنّي لَرَبُّ الإِبا
بِقَلبي سَأَرمي وُجوهَ العُداة = وَقَلبي حَديدٌ وَناري لَظى
وَأَحمي حِياضي بِحَدِّ الحُسامِ = فَيَعلَمُ قَومي بِأَنّي الفَتى
عبد الرحيم محمود
1331 - 1367 هـ / 1913 - 1948 م
عبد الرحيم بن محمود بن عبد الرحيم أبو الطيب العنبتاوي.
شاعر ثائر شهيد، من أهل فلسطين، ولد ونشأ في (عنبتا) من قرى طولكرم، وتعلم بها وبكلية النجاح في نابلس.
وعين مدرساً في النجاح إلى سنة 1936، ونشبت الثورة ضد الإنجليز فخاضها وله البيت المشهور الذي ألقاه بين يدي سعود بن عبد العزيز يوم زار فلسطين عام 1935.
المسجد الأقصى أجئت تزوره
أم جئته قبل الضياع تودعه
وطورد من قبل البريطانيين فذهب إلى العراق والتحق بكلية بغداد العسكرية، وعين مدرساً في البصرة، وعمل في ثورة رشيد عالي الكيلاني (1941) ثم عاد إلى بلده.
وعمل مدرساً في النجاح سنة (1948) وقامت المعركة في فلسطين فدخل جيش الإنقاذ برتبة ملازم، وخاض حرباً حتى أصيب بشظية مدفع في معركة الشجرة في الناصرة، واستشهد فيها.
وجمع ما وجد من شعره بعد وفاته في (ديوان -ط)
¥