فلما قتل كليب ارتحلت بنو شيبان حتى نزلوا بماء يقال له النهى. وتشمر المهلهل أخو كليب، واسمه عدي بن ربيعة، وإنما قيل له المهلهل لأنه أول من هلهل الشعر، أي أرقة، واستعد لحرب بكر، وترك النساء والغزل، وحرم القمار والشراب، وجمع إليه قومه، فأرسل رجالا منهم إلى بني شيبان يعذر إليهم فيما وقع من الأمر. فأتوا مرة بن ذهل بن شيبان، وهو في نادي قومه، فقالوا له: إنكم أتيتم عظيما بقتلكم كليبا بناب من الإبل، فقطعتم الرحم، وانتهكتم الحرمة، وإنا كرهنا العجلة عليكم دون الإعذار إليكم. ونحن نعرض عليكم خلالا أربع لكم فيها مخرج، ولنا مقنع. فقال مرة: وما هي؟ قال له: تحي لنا كليبا، أو تدفع إلينا جساسا قاتله فنقتله به، أو هماما فإنه كفء له، أو تمكننا من نفسك فإن فيك وفاء من دمه؟ فقال: أما إحيائي كليبا فهذا ما لا يكون؟ وأما جساس فإنه غلام طعن طعنة على عجل ثم ركب فرسه فلا أدري أي البلاد أحتوى عليه؛ وأما همام فإنه أبو عشرة وأخو عشرة وعم عشرة كلهم فرسان قومهم، فلن يسلموه لي فأدفعه إليكم يقتل بجريرة غيره، وأما أنا فهل هو إلا أن تجول الخيل جولة غدا فأكون أول قتيل بينها، فما أتعجل من الموت؟ ولكن لكم عندي خصلتان: أما إحداهما، فهؤلاء بني الباقون فعلقوا في عنق أيهم شئتم نسعة فانطلقوا به إلى رحالكم فأذبحوه ذبح الجزور، وإلا فألف ناقة سوداء المقل أقيم لكم بها كفيلا من بني وائل. فغضب القوم وقالوا: لقد أسأت، ترذل لنا ولدك وتسومنا اللبن من دم كليب. ووقعت الحرب بينهم.
ولحقت جليلة بأبيها وقومها. ودعت تغلب النمر بن قاسط فانضمت إلى بني كليب وصاروا يدا معهم على بكر، ولحقت بهم غفيلة ابن قاسط، واعتزلت قبائل بكر بن وائل وكرهوا مجامعة بني شيبان ومساعدتهم على قتال إخوتهم، وأعظموا قتل جساس كليبا رئيسهم بناب من الإبل. فظعنت لجيم عنهم، وكفت يشكر عن نصرتهم، وأنقبض الحارث بن عباد في أهل بيته. وهو أبو بجير وفارس النعامة. وقال المهلهل يرثي كليبا:
بت ليلي بالأنعمين طويلا ... أرقب النجم سهرا أن يزولا
كيف أهدأ ولا يزال قتيل ... من بني وائل ينسي قتيلا
غنيت دارنا تهامة في الده ... ر وفيها بنو معد حلولا
فتساقوا كأسا أمرت عليهم ... بينهم بقتل العزيز الذليلا
فصبحنا بني لجيم بضرب ... يترك الهم وقعه مفلولا
لم يطيقوا أن ينزلوا ونزلنا ... وأخو الحرب من أطاق النزولا
انتضوا معجس القسي وأبرق ... نا كما توعد الفحولا
قتلوا ربهم كلبا سفاها ... ثم قالوا ما نخاف عويلا
كذبوا والحرام والحل حتى ... نسلب الخدر بيضة المحجولا
ويموت الجنين في عاطف الرح ... م ونروي رماحنا والخيولا
وقال أيضا يرثيه:
كليب لا خير في الدنيا ومن فيها ... إذ أنت خليتها فيمن يخلبها
كليب أي فتى عز ومكرمة ... تحت السقائف إذ يعلوك سافيها
نعى النعاة كليبا لي فقلت لهم ... مالت بنا الأرض أو زالت رواسيها
الحزم والعزم كانا من صنيعته ... ما كل آلائه يا قوم أحصيها
القائد الخيل تردى في أعنتها ... زهوا إذا الخيل لجت في تعاديها
من خيل تغلب ما تلقي أسنتها ... إلا وقد خضبوها من أعاديها
يهزهزون من الخطي مدمجة ... كمتا أنابيبها زرقا عواليها
ترى الرماح بأيدينا فنوردها ... بيضا ونصدرها حمرا أعاليها
ليت السماء على من تحتها وقعت ... وانشقت الأرض فانجابت بمن فيها
لا أصلح الله منا من يصالحكم ... ما لاحت الشمس في أعلى مجاريها
ـ[عز الدين القسام]ــــــــ[15 - 03 - 2010, 02:20 ص]ـ
تابع يوم البسوس
قال أبو المنذر: أخبرني خراش أن أول وقعة كانت بينهم بالنهي يوم النهى.
فالتقوا بماء يقال له النهي كانت بنو شيبان نازله عليه. ورئيس تغلب المهلهل، ورئيس شيبان الحارث بن مرة. فكانت الدائرة لبني تغلب، وكان الشوكة في شيبان، واستحر القتل فيهم، إلا أنه لم يقتل في ذلك اليوم أحد من بني مرة.
يوم الذنائب
¥