ثم التقوا بالذنائاب، وهي أعظم وقعة كانت لهم، فظفرت بنو تغلب وقتلت بكر مقتلة عظيمة. وفيها قتل شراحيل بن مرة بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان وهو جد الحوفزان، وهو جد معن بن زائدة. والحوفزان هو الحارث ابن شريك بن عمرو بن قيس بن شراحيل، قتله عتاب بن سعد بن زهير بن جشم. وقتل الحارث بن مرة بن ذهل بن شيبان، قتله كعب بن ذهل بن ثعلبة. وقتل من بني ذهل ثعلبة: عمرو بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة. وقتل من بني تيم الله. جميل بن مالك بن تيم الله، وعبد الله بن مالك بن تيم الله. وقتل من بني قيس ابن ثعلبة: سعد بن ضبيعة بن قيس، وتميم بن قيس بن ثعلبة، وهو أحد الخرفين. وكان شيخا كبيرا فحمل في هودج، فلحقه عمرو بن مالك بن الفدوكس بن جشم، وهو جد الأخطل، فقتله. هؤلاء من أصيب من رؤساء بكر يوم الذنائب.
يوم واردات
ثم التقوا بواردات، وعلى الناس رؤساؤهم الذين سمينا. فظفرت بنو تغلب وأستحر القتل في بني بكر، فيومئذ قتل الشعثمان، شعثم وعبد شمس، ابنا معاوية بن عامر بن ذهل بن ثعلبة؟ وسيار بن الحارث بن سيار. وفيه قتل همام ابن مرة بن ذهل بن شيبان، أخو جساس لأمه وأبيه، فمر به مهلهل مقتولا، فقال: والله ما قتل بعد كليب قتيل أعز علي فقدا منك، وقتله ناشرة. وكان همام رباه وكفله، كما كان ربى حذيفة بن بدر قرواشا، فقتله يوم الهباءة.
يوم عنيزة
ثم التقوا بعنيزة، فظفرت بنو تغلب. ثم كانت بينهم معاودة ووقائع كثيرة، كل ذلك كانت الدائرة فيه لبني تغلب على بني بكر. فمنها: يوم الحنو، ويوم عويرضات، ويوم أنيق، ويوم ضرية، ويوم القصيبات. هذه الأيام لتغلب على بكر. أصيبت فيها بكر حتى ظنوا أن ليس يستقبلون أمرهم. وقال مهلهل يصف هذه الأيام وينعاها على بكر في قصيدة طويلة أولها:
أليلتنا بذي حسم أنيري ... إذا أنت انقضيت فلا تحوري
فإن يك بالذنائب طال ليلي ... فقد أبكي من الليل القصير
وفيها يقول:
فلا نبش المقابر عن كليب ... لأخبر بالذنائب أي زير
كأنا غدوة وبني أبينا ... بجنب عنيزة رحيا مدير
وإني قد تركت بواردات ... بجيرا في دم مثل العبير
هتكت به بيوت بني عباد ... وبعض القتل أشفى للصدور
على أن ليس عدلا من كليب ... إذا برزت مخبأة الخدور
ولولا الريح اسمع من بحجر ... صليل البيض تقرع بالذكور
وقال مهلهل لما أسرف في الدماء:
أكثرت قتل بني بكر بربهم ... حتى بكيت وما يبكي لهم أحد
آليت بالله لا أرضى بقتلهم ... حتى أبهرج بكرا أينما وجدوا
قال أبو حاتم: أبهرج: أدعهم بهرجا لا يقتل بهم قتيل ولا تؤخذ لهم دية.
قال: والبهرج من الدراهم، من هذا. وقال المهلهل:
يا لبكر انشروا لي كليبا ... يا لبكر أين الفرار؟
تلك شيبان تقول لبكر ... صرح الشر وبان السرار
وبنو عجل تقول لقيس ... ولتيم اللات سيروا فساروا
وقال:
قتلوا كليبا ثم قالوا اربعوا ... كذبوا ورب الحل والإحرام
حتى تبيد قبائل وقبيلة ... ويعض كل مثقف بالهام
وتقوم ربات الخدور حواسرا ... يمسحن عرض ذوائب الأيتام
حتى يعض الشيخ بعد حميمه ... مما يرى ندما على الإيهام
ـ[عز الدين القسام]ــــــــ[15 - 03 - 2010, 02:25 ص]ـ
ثم إن مهلهلا، أسرف في القتل ولم يبال بأي قبيلة من قبائل بكر أوقع، وكان أكثر بكر قعدت عن نصرة بني شيبان لقتلهم كليب بن وائل، فكان الحارث بن عباد قد اعتزل تلك الحروب. حتى قتل ابنه بجير بن الحارث. ويقال إنه كان ابن أخيه، فلما بلغ الحارث قتله، قال: نعم القتيل قتيل اصلح بين ابني وائل، وظن أن المهلهل قد أدرك به ثأر كليب وجعله كفئا له. فقيل له: إنما قتله بشسع نعل كليب. وذلك أن المهلهل لما قتل بجيرا قال: بؤ بشسع كليب. فغضب الحارث بن عباد، وكان له فرس يقال لها النعامة، فركبها وتولى أمر بكر، فقتل تغلب حتى هرب المهلهل وتفرقت قبائل تغلب، فقال في ذلك الحارث بن عباد:
قربا مربط النعامة مني ... لقحت حرب وائل عن حيالي
لم أكن من جناتها علم الله ... وإني بحرها اليوم صالي
وكان أول يوم شهده الحارث بن عباد يوم قضة، وهو يوم تحلاق اللمم، وفيه يقول طرفة بن العبد:
سائلوا عنا الذي يعرفنا ... ما لقوا في يوم تحلاق اللمم
يوم تبدي البيض عن أسؤقها ... وتلف الخيل أفواج النعم
وفيه أسر الحارث بن عباد المهلهل وهو لا يعرفه، واسمه عدي بن ربيعة، فقال له: دلني على عدي بن ربيعة وأخلي عنك. فقال له عدي: عليك العهود بذلك إن دللتك عليه؟ قال: فأنا عدي. فجز ناصيته وتركه، وقال فيه:
لهف نفسي على عدي ولم أعرف عديا إذا أمكنتني اليدان.
وفيه قتل عمرو وعامر التغلبيان. قتلهما جحدر بن ضبيعة. طعن أحدهما بسنان رمحه والآخر بزجه. ثم إن المهلهل فارق قومه ونزل في بني جنب، وجنب في مذحج، فخطبوا إليه ابنته فمنعهم. فأخبروه على تزويجها وساقوا إليه في صداقها جلودا من أدم، فقال في ذلك:
أعزز على تغلب بما لقيت ... أخت بني الأكرمين من جشم
أنكحها فقدها الأراقم في ... جنب وكان الحباء من أدم
لو بأبانين جاء يخطبها ... زمل ما أنف خاطب بدم
¥