إرتحلوا غدوةً فانطلقوا بُكَراً في زمر ٍ منهمُ تتبعها زمرُ
وأما القول الثاني، فأرى أن الشذوذ والقبح ينتجان من تكرار استخدام التفعليةالحاوية على الزحاف كما في المثال السابق الذي يقترب كثيراً من النثر في ايقاعه ِ ومجيء التفعيلة الحاوية على الطي على نحو الندرة والقاة لا يعد شاذاً أو قبيحاً أينما وردت.
3 - الخبل:
وهو زحاف مركب من الخبن والطي أي حذف الثاني والرابع الساكنين ويدخل على (مستفعلن) فتصبح (متعلن) والتي تقابلها عروضياً (فعلتن) ويدخل في جميع أجزاء البسيط:ومثال ذلك:
وزعموا أنهم لقيهم رجلٌ فأخذوا مالهٌ وضربوا عُنُقَهْ
أو كقول الاصمعي:
ومبتغي قرب اسنادٍ وموعظةٍ وأفقيّونَ من طار ٍ ومن طار ِ
ولا شك في أن الشعر يرك كثيراً ويفقد رونقه وموسيقاه عند استخدام هذه التفعيلة المستثقلة على اللسان والنابية على الذوق.
4 - علة القطع:
وهي حذف ساكن الوتد المجموع واسكان ما قبله وتدخل على (فاعلن) فتصبح (فاعلْ) والتي تقابلها عروضياً (فَعْلُنْ) وعلى (مستفعلن) فتصبح (مستفعلْ) والتي تقابلها
(مفعولن) , والعلل بصورة عامة تدخل على العروض والضرب وهي لازمة بمعنى يجب استخدامها في كل ابيات القصيدة.
ومثال قطع (فاعلن) في التام , قول الشاعر:
يا ليلة ً ليس في ظلمائها نورُ الا وجوهاً تضاهيها الدنانيرُ
وهنا يشترطون أن يدخله الردف وهو حرف لين او مد واللين هو حرف الواو او الياء اذا كان ما قبلهما متحركاً بحركة غير مجانسة ٍ لهما مثل (مَوْت، بَيْت) , والمد هو حرف الواو او الياء او الالف اذا كان ما قبلها متحركا ً بحركة مجانسةٍ لهما مثل (صَار , جُوْد، عِيْن).وإذا كنا نرى ان (فعلن) هي التفعيلة الاصيلة في البسيط وليس (فاعلن) فهذا يعني ان القطع لا يدخلها وانما يدخلها الاضمار وهو تسكين الثاني المتحرك فتصبح (فَعْلُنْ).
ومثال قطع (مستفعلن) في المجزوء, ضرباً فقط قول الشاعر:
كأنها فضةً مسبوكةً أو ذهبٌ خالصٌ مسبوكُ
أما عروضاً وضرباً:
ما هيّجَ الشوق من أطلال ٍ أضحت قفاراً كوحي الواحي
ويستحسن أن يدخل الخبن على التفعيلة المقطوعة هنا فتصبح (فعولن)، وهو المسمى مخلع البسيط ومثاله:
خلقتَ من بهجة ٍ وطيب ٍ إذ خلق الناس من تراب ِ
ـ[محب العروض]ــــــــ[10 - 11 - 2009, 01:49 ص]ـ
وهنا أورد سؤالًا:
لماذا لم يجز البعض استخدام الخبن في التفعيلة الثالثة والسابعة بالرغم من الأمثلة، أريد إجابة غير إجابة استثقال الأذن، ولعل الذي يدور في خلدي أقوله بعد أن أرى رد الدكاترة الكرام، وهنا أناشد أخانا الدكتور عمر لنرى وجهة نظره الكريمة، فعنده الخير إن شاء الله.
أتمنى من الدكتور أن يتلطف علينا بالإجابة بعيدًا عن قول: ثقل الزحاف.
فضلًا لا أمرًا نريدكم هنا.
ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[10 - 11 - 2009, 05:53 م]ـ
وهل يدور أمر الشعر إلاّ على الذائقة يا محب العروض
لقد وردت مثل هذه الزحافات في الشعر الجاهلي والأموي على قلّة، فسجلها الخليل
ولكن معظم الشعراء تحاموها بعد لك ولم يعودوا يستسيغونها، فأصبحت نادرة في أشعارهم
إذا ساغت هذه الزحافات المستقبحة لأحد فركبها كان له في أمثلتها وفي تسويغ العروض لها نجاة
وإن جارى كبار الشعراء في الابتعاد عنها كان أقرب إلى الذائقة العامة التي ارتضاها هؤلاء
ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[12 - 11 - 2009, 08:06 م]ـ
بعيدا عن مزالق اللجوء إلى أحكام الذوق، نرى أن الزحاف الذي قرره الخليل إنما بني على قوانين ثلاثة هي: المراقبة والمعاقبة والمكانفة. وهذه القوانين تخضع لشروط البحث العلمي ولا دخل للعاطفة أو الذوق فيها.
ثم أنه قسم الزحاف إلى ثلاثة أنواع: حسن وصالح وقبيح حسب درجة استعماله من قبل الشعراء، وهذا منهج علمي صارم يعتمد الإحصاء سبيلا له بغض النظر عن مدى تقبل الذوق له. فأنت ترى العروضيين يختلفون في زحاف معين ما بين صالح أو قبيح؛ بل قد يعده البعض منهم حسنا!
قال "بن بري"، ومزج بين منهجين علمي وانطباعي، "فالحسن ما كثر استعماله، وتساوى عند ذوي الطبع السليم نقصان النظم به وكماله، كقبض (فعولن) في الطويل. والقبح ما قل استعماله، وشق على الطباع السليمة احتماله، كالكف في الطويل. والصالح ما توسط ما بين الحالين ولم يلتحق بأحد النوعين، كالقبض في سباعي الطويل، إلا أنه إذا أكثر منه التحق بقسم القبيح، فينبغي للشاعر أن يستعمل من ذلك ما طاب ذوقه وعظم سوقه".
والإحصاء الذي انتهجه الخليل يعد صادقا في العصور التي اعتمد عليها فيه وهي العصر الجاهلي والأموي وما بين العصرين الأموي والعباسي. ومع ذلك فنحن لا نشك في أن المعري أيضا اعتمد على منهج الإحصاء حين قرر قبح خبن وطي مستفعلن الثالثة والسابعة في البسيط، قال: "والجزء الثالث من البسيط: أي حرف سقط منه بان فيه لصاحب الذوق، وليس كذلك غيره من الأجزاء". ولم يقل المعري ذلك القول إلا وقد أجرى كثيرا من البحوث والدراسات الإحصائية في الأوزان، ومنها أحصاؤه لأوزان المتنبي وقوافيه، ولم نعرف أحدا سبقه إلى ذلك.
والخلاصة: أن ما كان يصلح في عصر لم يعد يصلح في عصر غيره، وقوانين البحث العلمي، لا الأحكام الذوقيه، هي المعيار في تقرير ذلك.