قرابة ألف وأربعمائة سنة من نزول هذه الآيات وكأنها تنزل عليه لساعتها وتوّها.
اسمع القرآن يصف العلاقة الجنسية بين رجل وامرأة بأسلوب رفيع وبكلمة رقيقة مهذبة فريدة لا تجد لها مثيلاً ولا بديلاً في أية لغة: (فلما تغشاها حملت حملاً خفيفاً). هذه الكلمة (تغشاها) ... تغشاها رجلها ... أن يمتزج الذكور والأنثى كما يمتزج ظلان وكما يغشى الليل النهار وكما تذوب الألوان بعضها في بعض، هذا اللفظ العجيب الذي يعبر به القرآن عن التداخل الكامل بين إثنين، هو ذروة في التعبير.
وألفاظ أخرى تقرؤها في القرآن فتترك في السمع رنيناً وأصداء وصوراً حينام يقسم الله بالليل والنهار فيقول: (والليل إذا عسعس. والصبح إذا تنفس) .. هذه الحروف الأربعة (عسعس) هي الليل مصوراً بكل ما فيه. و (الصبح إذا تنفس) أن ضوء الفجر هنا مرئي ومسموع .. أنك تكاد تسمع زقزقة العصفور وصيحة الديك ..
فإذا كانت الآيات نذير الغضب وإعلان العقاب فإنك تسمع الألفاظ تتفجر .. وترى المعمار القرآني كله له جلجلة. اسمع ما يقول الله عن قوم عاد:
(وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية. سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية). إن الآيات كلها تصر فيها الرياح وتسمع فيها اصطفاق الخيام وأعجاز النخل الخاوي وصورة الأرض الخراب.
والصور القرآنية كلها تجدها مرسومة بهذه اللمسات السريعة والظلال المحكمة والألفاظ التي لها جرس وصوت وصورة.
ولهذه الأسباب مجتمعة كان القرآن كتاباً لا يترجم. إنه قرآن في لغته، أما في اللغات الأخرى فهو شيء آخر غير القرآن .. (إنا أنزلنا قرآناً عربياً) وفي هذا تحديد فاصل.
وكيف يمكن أن تترجم آية مثل: (الرحمن على العرش استوى). إننا لسنا أمام معنى فقط، وإنما نحن بالدرجة الأولى أمام معمار .. أمام تكوين وبناء تنبع فيه الموسيقي من داخل الكلمات، من قلبها لا من حواشيها، من خصائص اللغة العربية وأسرارها وظلالها وخوافيها ..
ولهذا انفردت الآية القرآنية بخاصية عجيبة ... إنها تحدث الخشوع في النفس بمجرد أن تلامس الأذن وقبل أن يتأمل العقل معانيها .. لأنها تركيب موسيقي يؤثر في الوجدان والقلب لتوه ومن قبل أن يبدأ العقل في العمل، فإذا بدأ العقل يحلل ويتأمل فإنه سوف يكتشف أشياء جديدة وسوف يزداد خشوعاً .. ولكنها مرحلة ثانية .. قد تحدث وقد لا تحدث وقد تكشف لك الآية عن سرها وقد لا تكشفه ... وقد تؤتى البصيرة التي تفسر بها معاني القرآن وقد لا تؤتى هذه البصيرة .. ولكنك دائماً خاشع، لأن القرآن يخاطبن أولاً كمعمار فريد من الكلام .. بنيان .. فورم .. طراز من الرصف يبهر القلب .. ألقاه عليك الذي خلق اللغة ويعرف سرها ... ).
أسمعت؟ إنهما يتحدثان عن موسيقى في القرآن، ليس معنى هذا أن القرآن موسيقى ورقص. إنهما يتحدثان في إطار تأمل وجه من إعجاز القرآن الكريم.
سعة الأفق حض عليها الإسلام.
وإفراد الشرع بالتحليل والتحريم من شروط الإيمان. ومن دعا محاوره إلى الاحتكام للشرع فقد أنصفه ولا ينبغي لمسلم أن يأبى الاحتكام إلى الشرع.
والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل
ـ[داوود أبازيد]ــــــــ[05 - 05 - 2006, 09:25 ص]ـ
الأخ سليم ..
الأخ أبو طارق ..
الإخوة المشرفون على الفصيح ..
لقد دخلت روابط العروض الرقمي كلها، فوجدت أن العروض الرقمي على هشاشته ليس هدفا، الهدف هو القرآن الكريم .. لقد أصر الديجيتال على تقطيع القرآن الكريم تحديدا، بدءا من أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. وإن أدخل تقطيع بعض العبارات العادية للتغطية ..
ما دام علم العروض علماً خاصا بأوزان الشعر العربي العمودي تحديدا، فما الداعي إلى تقطيع الشعر النثري، أو الكلام العادي، فضلا عن القرآن الكريم؟!! .. إن الدخول إلى روابط العروض الرقمي، وبعضها مواقع محظورة، يثير أكثر من شبهة ..
لقد اتهم الجاهليون الرسول الكريم والقرآن العظيم ونعتوهما بشتى النعوت (سحر وساحر، شعر وشاعر، كهانة وكاهن، كذب وكاذب وكذاب ومفترٍ .. ) وقد دفع القرآن الكريم كل ذلك (وما هو بقول شاعر، وما هو بقول كاهن ... ) فهل تعلمون أن إصرار القرآن على نفي تهمة الشعر كانت أشد من نفي أي تهمة أخرى؟. فلماذا يريد العروض الرقمي تقطيع القرآن تحديدا؟. ألا يثير هذا أي تساؤل؟؟
¥