واهتزاز الغصون في الروض ... (ليناً أنا منها في غاية الإيهام)
(أترى ضحكها لبسط الندامى) ... أم سروراً لجمع شمل الكرام ِ
أم خطاباً لبلبل الدوح غنّى ... (أم بكاءً على فراق المدام ِ) (12)
ومنهم المرادي في كتابه (سلك الدرر) (13) حيث ذكر لأبي السعود الخلوتي قصيدة ً شطريها سينية ابن الفارض:
(قف بالديار وحيّ الاربع الدرسا) ... مخاطباً لرسيس الشوق مقتبسا
واسترجع القول يا ذا الرأي مختبراً ** (ونادها فعساها أن تجيب عسى)
(وأن أجنّك ليلٌ في توحّشها) ... فلا تكن آيساً لا كان من أيسا
خذ من زناد الجوى ناراً مشعشعة ً ... (فأشعلْ من الشوق في ظلمائها قبسا) (14)
ومنهم لويس شيخو (15) الذي ذكر تشطير الشيخ ابو الثناء محمود قبادو الشريف لقصيدة بشر بن عوانة وقد لقي الاسد:
(أفاطم لو شهدت ببطن خبت ٍ) ... لهانت عندك الأخبار خبرا
ولو أشرفت في جنح ٍ عليه ِ ... (وقد لاقى الهزبرُ أخاك بشرا)
(أذا لرأيت ِ ليثاً رام ليثاً) ... وكل ّ ٌ منهما بأخيه مُغرى
يرى كلٌ على ثقة ٍ أخاه ُ ... (هزبراً أغلباً لاقى هزبرا) (16)
وتجدر الاشارة هنا الى الفرق بين (الشطر) و (التشطير)، فالتشطير هو ما عرفنا آنفاً، أما الشَّطَرُ فهو إسقاط شطر ٍ بأكمله من البيت واعتبار الشطر الباقي بيتاَ كاملا ً ويعرف البيت في هذه الحالة (بالمشطور) (17)
وهو مأخوذ من شطر الشيء شطراً: جعله شطرين أي نصفين، فـ (المشطور: ما حذف نصفه وبقي نصفه) (18).
قال ابن عبد ربه الاندلسي في ارجوزته العروضيه:
والبيتُ إنْ نقصْتَ منهُ شطرُهُ ... فذلك المشطور ُ فافهمْ أمرُهُ
والشطر في الشعر خاص ٌ ببحر الرجز، فـ} من الرجز ما يحصى بالاشطر وليس بالابيات فيقال له في هذه الحالة (المشطور) {(19)، و (تكتب الابيات في مشطور الرجز بصورة مستقلة ... وقد يكتب البيتان منه بصورة مزدوجة واذا بقي بيت منفرد كتب بصورة شطر ٍ منفرد) (20).
ومثال ذلك قول الحطيئة (21):
الشعراءُ فاعلمنّ أربعهْ
فشاعرٌ لا يرتجى لمنفعهْ
وشاعرٌ ينشدُ وسط المعمعهْ
وشاعرٌ آخرُ لا يُجرى معهْ
وشاعرٌ لا تستحي أنْ تصفعهْ
ومن باب المشاكلة، نذكر أبيات معروف الرصافي في ذات المعنى (22):
الشعراءُ في الزمان ِ أربعهْ
فشاعرٌ أفكارهُ مبتدعهْ
وشاعرٌ أشعارهُ متّبعهْ
وشاعرٌ أقواله ُ منتزعهْ
وشاعرٌ في الشعراء ِ إمّعهْ
وخلاصة القول في التشطير - وهو رأينا الشخصي -:
التشطير: هو إنتقاء الشاعر لأبيات أعجبته فاستحسنها، وتقسيم تلك الأبيات الى أشطر ٍ (صدور ٍ وأعجاز ٍ) وإضافة أشطر ٍ (أعجاز ٍ وصدور ٍ) من نظم الشاعر اليها عجزاً لصدر ٍ وصدراً لعجز ٍ، على نفس الوزن والقافية، وفي ذات المعنى توسيعاً له لا خروجاً عنه، وبالتالي مضاعفة الابيات الاصلية.
التشطيرُ مصدرٌ من شَطّرَ الشيء تشطيرا ً أي نصّفَهُ وكلّ ما نُصّفَ فقد شُطّرَ، ومن هنا جاءت التسمية بمعنى تقسيم الابيات الى أنصاف (اشطر) وإضافة انصاف ٍ (اشطر) لها، أو من شَطّرَ بناقته تشطيراً اذا صرّ شطرها الأمامي وترك شطرها الخلفي والشطر الأمامي للناقة هو الخلفين الأماميين- وخِلْفُ الناقة: حَلَمَة ُ ضرعها وللناقة أربعة حلمات (أخلاف) اثنتان أماميتان واثنتان خلفيتان، وكل حلمتين (خِلفين) شَطْرٌ - وكذلك شطرها الخلفي، وعملية تشطير الشعر شبيهة ٌ بتشطير
الناقة فالشاعر يترك الشطر الاول (الصدر) من البيت الشعري ويصرّ الشطر الثاني (العجز) أي يحذفه
والعكس مع البيت الثاني وهكذا، ولذلك سميت هذه العملية تشطيراً.
يجب في التشطير مراعاة المعنى جيداً، بحيث تكون الاشطر المضافة مطابقة في المعنى لسابقتها ولاحقتها، فلا يحس القارئ بتباعد الافكار واضطراب المعنى، وانما تكون الابيات الناتجة كسبيكة متجانسة ٍ أو لوحة ٍ ممتزجة الالوان، ولتوضيح ذلك نظمنا المثال التالي:
الناس ُ إمّا عالمٌ ما أبدعهْ ... أو جاهلٌ ضرّ به ِ حبّ الدعهْ
لاحظ أننا قسمنا الناس من حيث العلم الى: عالم وجاهل، ولو أردنا تشطير هذا البيت، فإما أن نبقي التقسيم على حاله ِ ونجعل الشطرين المضافين (العجز والصدر) وصفاً للعالم وفضله وما شابه ذلك، فنقول:
(الناس ُ إمّا عالمٌ ما أبدعهْ) ... أنّى اغتدى فعلمهُ يغدو معهْ
¥