ويقولُ تكادُ تُجَنُّ بهِ = فأقولُ: وأوشك أعبُدهُالله الله على هذه المعاني الجميلة، ولو أنها على وزن لم يسلم من سخرية المعري وإهمال من سبقوه كما قال. وقد لحن عبد الوهاب هذه القصيدة وغناها على نغمة عربية أصيلة يعرفها من له إلمام بالموسيقى ومقاماتها (سلالمها الموسيقية) ألا وهي نغمة " الحجاز"، وحتى أبيّنَ لمن لا يعرف هذه النغمة العربية كيف هيَ، أذكّره بالأغنية العراقية الشعبية القديمة المعروفة " فوق النَّخَل " أو" فوق إلنا خِلّ " على خلاف في ذلك. إن نغمة هذه الأغنية هي نغمة الحجاز تماماً.
ومن المعروف أيضا أن أمير الشعراء كان لا يؤمن بأقوال السابقين الذين اعتبروا بعض البحور كالخبب والرجز أنها دون غيرها من البحورفي الرتبة والمنزلة، فكان يعتبر أن مقدرة الشاعر هي في الإبداع في المضمون، وليس للوزن، بحد ذاته، دخل كبير في جودة النظم، إلا انه من المؤكد أنه كان يعلم، وهو أمير الشعراء، أن اختيار الوزن يتم أيضا تبعا للمضمون ومعانيه.
ولي أبيات على المتدارك على لسان غريبٍ عن وطنه، وهاكم بعضها:
البلبلُ يصدحُ بالشَّجَن ِ = لأليفٍ غابَ عن الفَنََن ِ
وصُداحُ البلبل يُحزنني = ويُثيرُ حنيني للوطن ِ
وطني أحببتك من صِغَري = وإلى كِبََري وإلى كفَني
ما أسعَدَ يوماً أرجع فيـ = ـهِ إلى بلدي وإلى سكني ويمتاز هذا الشكل من المتدارك بشعبيته بين الناس وسهولة حفظه من قِبل الناشئة.
ومن الشعراء المعاصرين الذين مارسوا القول على وزن المتدارك الشاعر الشهير نزار القباني، ومما قال:
إني خيرتُكِ فاختاري
ما بين الموتِ على صدري
أو فوق دفاتر أشعاري
اختاري الحبَّ او اللاحبَّ
فجبنٌ ان لا تختاري
لا توجد منطقة وسطى
ما بين الجنة والنار ..... الخوإن لم اكن مخطئا فقد غنى هذه القصيدة المغني المعروف كاظم الساهر. أما أنا فلم أتفق مع أفكار الشاعر في قصيدته، حيث اتضح لي أنه يحث الفتاة على الخروج على الأعراف والتقاليد الحسنة بل ربما على الأوامر الشرعية حين يقول:
الحُبُّ مواجهة كبرى
إبحارٌ ضد التيار
ثم يقول:
إني لا أومنُ في حبّ ٍ
لا يحمل نزقَ الثوار
لا يكسر كل الأسوار .... الخعند هذه المرحلة من القصيدة تذكرتُ ما روته كتب السيرة من ان السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ عندما أوعزت إلى إحدى معارفها من النساء، لا أتذكر اسمها الآن، أن تعرض رغبتها بالزواج من سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وكان ذلك قبل بعثتِه طبعا، والقصة معروفة، ولكن ما اقصد قوله أن أقصى حد مسموح به هو التلميح عن طريق وسيط وليس أكثر، وما على الفتاة إلا ان تظل جوهرة مكنونة في بيتها حتى يأتيها نصيبها. بسبب ما قلته آنفا خطر لي ان أعارض القصيدة النزارية بنفس وزنها وقافيتها ولكن بمضمون مُغاير، فأقول:
اختاري لا لا تحتاري
فالحيرة تحرقُ كالنّار ِ
إن أحسستِ بخفْق ِ القلبِ
يُحاكي نَغَماً لِهَزار ِ
وهمى الدمعُ على الخدّين ِ
غزيراً مثل الأمطار ِ
وغدوتِ من النوم ِ على
جفوةِ سَهّادٍ سَهّار ِ
فهناك غرقتِ بعطر الحبِّ ّ
وغُصْتِ ببحر الأقدار ِ
...
كوني في الحُبِّ على حذر ٍ
من غدر ِ خبيثٍ مكّار ِ
لا يقصدُ إلا تسليةً ً
أو وعدَ كذوب ٍغدّار ِ
إيّاكِ وهذا المتواري
من خلفِ قِناع الأخيار ِ
...
ما مثلُكِ إلا جوهرة
يأتيها الخاطبُ للدار ِ
يسعى للعفّةِ والإحصان ِ
ويسلكُ دربَ الأطهار ِ
ولْيَسْكُنْ حُبٌّ في قلبين ِ
ولا يخشى خِزيَ العار ِ
...
دارت أحلاميَ في أمسي
سَبَحتْ كالفلكِ الدّوار ِ
هبَّتْ نَسَماتُ الشعر ِعلى
جرح ٍ في عُمق ِ الأغوار ِِ
تجتاحُ فؤادي حُرقتهُ
ويؤرّقُ ليلي ونهاري
من عهدِ شبابٍ قد ولّى
فَهَمَمْتُ البَوْحَ بأسراري
...
ما حيلة ُ قلبٍ يتوارى
حُزناً من خلفِ الأسوار؟
إلا أن يطرقَ بابَ الشعر ِ
يُغذي سَيْلَ الأفكار ِ
في الشعر أرى حُسْنَ عزائي
ودخيلة َنفسي وقراري ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبما أن هذا الشكل من المتدارك ذو إيقاع يمكن أن يكون سهل التناول لأهل الموسيقى عند تلحين القصائد والأغاني، فأظن أن القباني هدف إلى ذلك، لأنه كان على علاقة مع أهل التلحين مثلما هو معروف.
ومما جاء على المتدارك من الأزجال والأشعارالشعبية:
يا حماماً بِروسَ العلالي يِصيحْ = ما بَظنّ الْحِبَيّبْ يفارق صحيحْ
¥