تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[التجديد الوزني في البحر السريع-1]

ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[13 - 10 - 2009, 07:11 م]ـ

البحر السريع

بحر يتدفق عذوبةً وسلاسة، يقال: إنه سمي بذلك لسرعة النطق به.

وهو أشبه البحور بالرجز، على الرغم من افتراقه عنه، وطالما ارتجز الشعراء به، ومع ذلك وصفه القرطاجني بالكزازة، أي الانقباض واليبس! كما وصمه د. إبراهيم أنيس باضطراب الموسيقى! وادّعى قلة النظم عليه قديماً وحديثاً!، بل تنبأ -ظلماً- بانقراضه مع الزمن!!

وهي جميعها ادّعاءات باطلة، يدحضها ما تذخر به دواوين الشعر العربي قديماً وحديثاً من المنظوم عليه، وربما كان أكثر استخداماً لدى الشعراء من الرجز.

يقوم إيقاعه الجميل على تناغم الوحدتين الوزنيتين (مستفعلن) مكررة، و (فاعلن) التي تُميز البحر عن الرجز.

وله في العروض الخليلي ستة قوالب مستعملة بكثرة:

1 - مستفعلن مستفعلن فاعلن=مستفعلن مستفعلن فاعلانْيقول خُفاف بن ندبةَ يمدح سيدَنا أبا بكر رضي الله عنه:

ليسَ لِشَيءٍ غَير تَقوَى جَداءْ=وكلُّ شيءٍ عُمرُهُ للفَناءْ

إنَّ أبا بكرٍ هو الغَيْثُ إذْ=لم تَشمَلِ الأرضَ سَحابٌ بِماءْ

تا اللهِ لا يُدْرِكُ أيّامَهُ=ذو طُرّةٍ حافٍ ولا ذو حِذاءْ

مَنْ يَسْعَ كَيْ يُدْرِكَ أيّامَهُ=يَجْتَهِدِ الشّدَّ بأرضٍ فَضاءْ

2 - مستفعلن مستفعلن فاعلن=مستفعلن مستفعلن فاعلن

قالب السريع الرئيس، وعليه شعر كثير، نُمثّل له بقول صالح بن عبد القدوس:

يا أيّها الدارسُ عِلْماً ألا=تلتَمِسُ العَوْنَ على دَرْسِهِ

لن تبلُغَ الفَرْعَ الذي رُمتَهُ=إلاّ ببَحْثٍ منكَ عن أُسِّهِ

3 - مستفعلن مستفعلن فاعلن=مستفعلن مستفعلن فعْلن

أحد قوالب البحر السريع الثلاثة الرئيسة، عليه شعر كثير جداً، وإن ادّعى د. أنيس رحمه الله -وغيره- أنه نادرٌ في شعر القدماء، وأننا "لا نكاد نظفر" بشعر حديث على هذه الصورة، وأن شعراءَنا المحدثين لم يطرقوه!

وينتسب عجزه في الحقيقة إلى بحر الرجز، لأنه بعضٌ من التسلسل الحركي للرجز: (مستفعلن مستفعلن مستفْ)، ولذلك نسبنا ما كُتب عليه صدراً وعجُزاً إلى الرجز، ومثلنا له في مكانه منه.

يقول حطان بن المعلّى:

أنزلَني الدهْرُ على حُكْمِهِ=منْ شاهِقٍ عالٍ إلى خَفْضِ

وغالَني الدهْرُ بوَفْرِ الغِنى=فليسَ لي مالٌ سوى عرْضي

أبكانِيَ الدّهرُ ويا ربّما=أضحكَني الدهرُ بِما يُرْضِي

لولا بُنيّاتٌ كزغْبِ القَطا=رُدِدْنَ منْ بعضٍ إلى بعْضِ

لكانَ لي مضْطَرَبٌ واسعٌ=في الأرضِ ذاتِ الطولِ والعرْضِ

وإنّما أولادُنا بيننا=أكبادُنا تمشي على الأرْضِ

4 - مستفعلن مستفعلن فعِلن=مستفعلن مستفعلن فعِلن

هو قالب خليلي جاهلي، كان محلاًّ للكثير من الجدل بين العلماء، ذلك أن معظم قصائده القديمة الأولى خلطت بين الضربين (فعِلن) و (فعْلن)، بل ربما خلطت معهما الضرب (فاعلن) أيضاً، والغريب أيضاً أن تكون معظم قصائده الجاهلية (مقيدة الروي)!

بينما أجاز الأخفش الجمعَ بينهما مشروطاً، فقال في باب ما يجوز من الساكن مع المتحرك في ضرب واحد: "فمِنْ ذلك (فعْلن) في السريع، يجوز مع (فعِلن) إذا كان مقيّداً، ولا يجوز في الإطلاق".

وقد قام الشنتريني بالفصل بين الضربين (فعِلن) و (فعْلن)، قائلاً: " بل كلّ واحدٍ منهما ضربٌ على حاله، ولا يصحّ الجمع بينهما".

ونحن نرى الفصل بين الضربين، مع الإشارة إلى الخلط بينهما في بعض القصائد الجاهلية القديمة، خاصة في القافية المقيدة، غير المردوفة ولا المؤسسة.

يقول الأعشى، من قصيدة عدّتها ثلاثة وأربعون بيتاً، ورد في ضربها (فعِلن) ثلاثين مرة، و (فعْلن) إحدى عشرة مرة، بل و (فاعلن) مرتين:

أقصِرْ، فكلُّ طالبٍ سَيَمَلْ=إنْ لم يكنْ على الحبيبِ عِوِلْ

جَهلٌ طِلابُ الغانياتِ وقد=يكونُ لَهْوٌ هَمُّهُ وغَزَلْ

السارقاتِ الطّرْفَ منْ ظُعُنِ الـ=ـحَيِّ، ورُقْمٌ دونها وكِلَلْ

فيهِنَّ مَخْروفُ النّواصِفِ مَسْـ=ـروقُ البُغامِ، شادِنٌ أكْحَلْ

رَخْصٌ، أحَمُّ المقلتينِ، ضعيـ=ـفُ المنكبينِ، للعِناقِ زَجِلْ

عُلِّقْتُها (بالشّيِّطَينِ) فقَدْ=شَقَّ علينا حُبُّها وشَغَلْ

إذْ هِيَ تصطادُ الرجالَ ولا=يصطادُها إذا رَماها الأَبَلْ

تنأى وتدنو، كلُّ ذلك ما=شَتّى فلا تُعطي ولا تبخلْ

5 - مستفعلن مستفعلن مفعولانْ

6 - مستفعلن مستفعلن مفعولن

قالبان رجزيان، أتت بهما الصنعة العروضية لا غير. وقد أعدناهما إلى حظيرة الرجز، لأنها أولى بهما، فلا داعي للتمثيل لهما هنا.

ملاحظات البحر:

1.يجوز أن ترد (مستفعلن) كما في الرجز على (متفعلن //ه//ه) أو (مستعلن /ه///ه)، وأحياناً (مُتَعِلن ////ه).

2.تميل (فاعلن) في الأعاريض والأضرب إلى الثبات عادة، خاصة في الضرب، ولذلك فرق العروضيون في ضروب السريع بين (فاعلن) و (فعِلن). ونظراً لورودهما معاً في ذات القصيدة، فلا نرى انفصالهما، وإن مال الشعراء إلى ذلك. فقد التقت التفعيلتان في أشعار العديد من الشعراء عروضاً وضرباً.

3.ليس للسريع مجزوءات، ولا مقصرات، لأنه بفقدان (فاعلن) لا يبقى منه إلا (مستفعلن) الرجزية، فيتحول إلى الرجز. ولكن كغيره من البحور، لا بأس عندنا من استعماله مشطوراً كما سنرى، بغير صورتيه الخليليتين الرجزيتين المذكورتين.

4.ومن الملاحظات الغريبة إلى حدّ ما، أن (مستفعلن) الثانية قلّما ترد على (متفعلن)، والأغلب ورودها سالمة أو على (مستعلن).

5.أنكر القرطاجنّي -وهو على حق- أن يتركب السريع من: (مستفعلن مستفعلن مفعولاتُ)، كالذي يدّعيه العروض الخليلي، مبيناً أن "تجزئته الصحيحة التي تشهد بها القوانين البلاغية: (مستفعلن مستفعلن فاعلانْ) "، وأن الجزء (فاعلانْ) "ليسَ بمحذوف من غيره، ولا مُغَيّرٍ من سواه"، "ودعوى العروضيين أن نظامه مأخوذ من دائرة المنسرح باطلة".

فما الجديد في أوزان البحر السريع؟

يتبع ...

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير