تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[إشكالية تركيب الدائرة الرابعة عند الخليل]

ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[22 - 10 - 2009, 04:41 م]ـ

أطلق الخليل على هذه الدائرة اسم المشتبه، (بكسر الباء) لأن بها تفعيلتين ذواتا وتد مفروق، فأشبهتا اثنتين لهما التركيب نفسه ولكن الوتد فيهما مجموع، وهما (فاعلاتن- فاع لاتن) و (مستفعلن – مستفع لن).

وتتألف هذه الدائرة من 42 حرفا ما بين ساكن ومتحرك، ولها النسق التالي:

هَ

ه

ه ه

ه

ه

ه ه

ه

ه

ه

ه

ه

ه

ه ه

ه

ه

ه ه

ه

ه

ه

ه

وكل حرفين، في هذه الدائرة، أولهما متحرك والثاني ساكن لا يثبت على سكونه، فهما يؤلفان معا سببا خفيفا. فإذا كان هذا الساكن ثابتا وبعده حرف متحرك، تألف من مجموع حروفها الوتد المفروق. وكل حرفين متحركين يعقبهما ساكن ثابت فإنه يتألف منها الوتد المجموع.

ومن الملاحظ أن الخليل جعل أصل دائرة المشتبه بحر السريع، ولكن لماذا لم يجعل أصلها بحر المضارع التام، وهو بحر يبتدئ بوتد مجموع، أسوة بما صنعه في الدوائر الأربعة الأخرى؟ احتج بعض العروضيين لذلك بأن الخليل لم يختر المضارع لأنه وجد المستعمل منه مجزوءا، بينما أصول البحور التي اختارها كانت كلها تامة. ومع ذلك فإن الحلي خالف الخليل وبدأ دائرته بهذا البحر وذلك في كتابه (شفاء الغليل في علم الخليل). وربما كان السكاكي هو أول من قدم تبريرا هو الأقرب إلى قصد الخليل، حين قال في كتابه (مفتاح العلوم): "وأما تقديم السريع، فلأن دائرته تضمنت وتدا مفروقا، بخلاف سائر الدوائر، وارتكاب المخالف لا يصار إليه إلا لعذر، فإنه في السريع أكمل منه في غيره، لأن أركان السريع ممتنع أن تؤلَّف، على وجه من الوجوه، تأليفا يُخرِج الوتد المفروق عن كونه مفروقا إلى كونه مجموعا، أو سببا خفيفا، بخلاف ما سواه".

ومصداقا لذلك القول، ولكى يبين الوتد المفروق بلا لبس في جميع بحور الدائرة الخليلية، عمدت إلى تحويل الرموز الصوتية للأسباب والأوتاد من صورتها التحليلية في متحركات وسواكن إلى صور تركيبية للمكونات الإيقاعية في شكل رموز عددية، ومن ثم فك هذه الدائرة وفقا لهذه المكونات وتقليبها للتحقق من بحورها المحتملة.

رموز المكونات الإيقاعية:

وهي الرمز (1) للسبب الخفيف، والرمز (2) للوتد المجموع، والرمز (3) للوتد المفروق.

بحور دائرة المشتبه الخليلية:

1 - بحر السريع: 1 1 2 1 1 2 1 1 3

2 - بحر مهمل: 1 2 1 1 2 1 1 3 1

3 - بحر مهمل: 2 1 1 2 1 1 3 1 1

4 - بحر المنسرح: 1 1 2 1 1 3 1 1 2

5 - بحر الخفيف: 1 2 1 1 3 1 1 2 1

6 - المضارع التام: 2 1 1 3 1 1 2 1 1

7 - المتضب التام: 1 1 3 1 1 2 1 1 2

8 - المجتث التام: 1 3 1 1 2 1 1 2 1

9 - بحر مهمل: 3 1 1 2 1 1 2 1 1

وهكذا ترى أن تعليل السكاكي يبدو صحيحا بالمحافظة على شكل الوتد المفروق وجلاء صورته في كل بحور الدائرة. ولكن ماذا لو أنا تجاهلنا قصد الخليل وبدأنا الدائرة من أي بحر غيره دون أن نخرج عن الترتيب الصوتي لحروفها البالغة 42 في الدائرة الكاملة، وليكن البحر الذي نختاره للبدء بفكها هو المنسرح:

ه

ه

ه ه

ه

ه

ه

ه ه

ه

ه ه

هنا تجد 21 حرفا متحركا وساكنا (هو عدة حروفها في الشطر) وهي تتفق في ترتيبها الدائري مع جميع بحور دائرة المشتبه عند الخليل ما عدا بحر السريع الذي أريد له أن يكون أصلا لتلك الدائرة. وإذن، فسوف نحاول أن " نخرج الوتد المفروق عن كونه مفروقا إلى كونه مجموعا أو سببا خفيفا" وفقا لكلام السكاكي، لنرى أثر ذلك على عدد البحور الذي ستتولد من عملية الفك:

1 - بحر المنسرح: 1 1 2 1 1 1 2 1 2

2 - بحر الخفيف: 1 2 1 1 1 2 1 2 1

3 - بحر المضارع: 2 1 1 1 2 1 2 1 1

4 - بحر المقتضب: 1 1 1 2 1 2 1 1 2

5 - بحر المجتث: 1 1 2 1 2 1 1 2 1

6 - بحر مهمل: 1 2 1 2 1 1 2 1 1

7 - بحر مهمل: 2 1 2 1 1 2 1 1 1

8 - بحر مهمل: 1 2 1 1 2 1 1 1 2

9 - بحر مهمل: 2 1 1 2 1 1 1 2 1

فنلاحظ على هذه الدائرة الجديدة (التي أخرجنا منها الوتد المفروق) استمرار ظهور البحرين المستعملين: المنسرح والخفيف، وكذلك البحور الثلاثة (التامة) غير المستعملة، وهي المضارع والمقتضب والمجتث. وفي الوقت ذاته نلاحظ اختفاء السريع الذي ذكره الخليل مما يدلنا على أن النماذج التي استشهد بها الخليل على وجوده تمت إلى صورة أخرى يمكن الوقوف عليها في دائرة أخرى لها نفس العدد من المكونات الإيقاعية التي للسريع بشكله المستعمل، وهي:

1 1 2 1 1 2 1 2

وبالرموز الصوتية:

ه

ه

ه ه

ه

ه

ه ه

ه

ه ه

وبالتفاعيل:

مستفعلن مستفعلن فاعلن

وقد يقال: ولكن هذه الصورة لبحر السريع لا تنطبق على الشكل التفعيلي التالي:

مستفعلن مستفعلن مفعولان

فنقول إن هذا الشكل يمكن إرجاعه، باستخدام المعجم الخليلي نفسه، إلى مشطور الرجز وضربه مقطوع مذيّل.

فإن قيل: وماذا عن الشكل التالي:

مستفعلن مستفعلن مفعولن

قلنا: هو مشطور الرجز ولكن بضرب مقطوع لا غير.

ويبقى السؤال قائما: أما كان في إمكان الخليل أن يقيم دائرة المشتبه على بحر المنسرح أو الخفيف بلا أثر للوتد المفروق فيهما؟ فما هو، إذن، السر في تمسكه بالدائرة التي تقوم على بحر السريع بوتدها المفروق (الوهمي)؟

والجواب، إذا لم أخطئ الظن، أن الخليل أراد أن يعبر عن البحور الخمسة عشر بتفاعيله الثماني، الخماسية منها وهي فعولن وفاعلن، والسباعية وهي مفاعيلن ومستفعلن وفاعلاتن ومفاعلتن ومتفاعلن. ولما كان الشكل السباعي هو أقصى ما يصل إليه بناء الكلمة في العربية، على حد قول الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف، فقد رفض الخليل أن يبني تفاعيله على ما يخالف بنية الكلمة العربية، فكان حتما تخليه عن تفعيلة ذات ثلاثة أسباب متوالية ووتد مجموع، لا يمكنك أن تعبر عنها بلفظ يوافق أبنية العرب، وفضل عليها أخرى بسببين اثنين ووتد مفروق، نحو مفعولاتُ.

هل ترانا وقفنا على تلك الإشكالية؟ فسواء إذن كان صوابا ما اقترحناه بديلا أم انحرف عن جادة الصواب، إن المهم أن تكون تلك خطوة إلى الأمام في فهم عمل الخليل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير