تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

["عروض الخليل بن أحمد "د. يوسف بكار - عرض ومناقشة]

ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[09 - 10 - 2009, 05:05 م]ـ

"عروض الخليل بن أحمد – مقاربات جديدة" هو أحدث كتاب صدر للدكتور يوسف بكار (عام 2009 م، 96 صفحة من القطع الصغير، عن دار ورد الأردنية). وهو يتضمن أربع مقاربات في أربعة فصول؛ لها العناوين التالية: أصالة المنبت، تقنيات دقيقة، أبو العلاء المعري وعروض الخليل .. وآخرها وأطولها: إشعاعات الآخر (الهندي والفارسي واليوناني). وبهذا الفصل الأخير سنبدأ عرضنا للكتاب.

يبحث الكاتب في هذا الفصل قضية التأثير والتأثر من جانب واحد وهو احتمال تأثر العرب بعلوم الهند والفرس واليونان وبالأخص في حقلي اللغة والعروض من خلال الإشعاعات الصادرة عنهم. ويقول: "فليس من شك في أن أمر إشعاعات الآخر القديم في العروض العربي عسير وإن يكن محتملا بعضه في ظل عدد من المعطيات والمؤشرات" ثم يأخذ في سرد هذه المعطيات التي يشير إليها بما يلي:

- سلطة المكان وتأثيراته: الحيرة والبصرة وخراسان.

- تجربة كتاب العين.

- الامتزاج المبكر للثقافات الهندية والفارسية واليونانية والعربية، وسهمة ابن المقفع في ذلك.

- موازنات أبي الريحان البيروني المهمة بين عروض العرب والهنود واليونان.

- حدة ذكاء الخليل وتوقد ذهنه وعقليته الرياضية.

ويتوجه بعد ذلك إلى الإشعاع الهندي السنسكريتي ليرى أن مبعثه أمران، أولهما آلية تأليف كتاب (العين) وتقنياته العلمية الدقيقة، وثانيهما موازنات البيروني المهمة بين العروضين العربي والسنسكريتي في كتابه "تحقيق ما للهند". ثم إنه يستند في تتبع ذلك الإشعاع إلى الحقيقتين التاليتين؛ قوله: " إن الشغل على (العين) ابتدأ في خراسان وليس في البصرة"، وقوله: "إن أظهر ما نهض عليه (العين) أنه رُتِّب على ما لحروف الهجاء من ارتكازات في جهاز النطق، وبدأ بحروف الحلق (ع ح هـ غ خ)، لأن مدرجة الحلق هي أولى المدارج".

ثم يقسم الباحثين الذين تناولوا قضية التأثير في (العين) إلى ثلاثة أقسام، قسم "لم يستبعد تأثر الخليل بالطريقة الهندية" وقسم "استبعد؛ بل نفى" وقسم "ظلّ بين بين".

أما القسم الذي لم يستبعد فهم عنده المسترقون ومن نقل عنهم نحو (جرجي زيدان) بقوله: "فكأن الخليل حذا بذلك حذو الهنود في ترتيت حروف لغتهم السنسكريتية، فإنهم يبدأون بأحرف الحلق، وينتهون بالأحرف الشفوية". وهو يرى أن ما جاء به (جرجي) عن (وليمز) هو أساس قول (شوقي ضيف) عن الخليل: "ويظهر أنه عرف المباحث الصوتية عند الهنود، وكانت قد نمت عندهم نموا واسعا". ويكمل هذا القسم بالدكتور محمد السعران الذي ركز على (التشابه) فقال: "ثمة تشابه كبير بين تصنيف الهند لأصوات السنسكريتية حسب المخارج وبين تصنيف العرب لأصوات العربية على هذا الأساس. ومعروف أن التصنيف الهندي أقدم كثيرا من التصنيف العربي ... " وخلص إلى القول بأن "أخذ العرب من الهنود في الميادين الصوتية واللغوية عامة، أو تأثرهم يهم أمر محتمل نظريا، ولكنا لا تملك من الأدلة ما يدعونا إلى القطع بأن أخذاً أو تأثراً قد حدث في هذا المجال أو ذاك". وكان على الدكتور بكار بهذا القول الأخير للسعران أن يسلكه في قسم من ظل بين بين.

وذكر فيمن نفى التأثير (مهدي المخزومي) الذي قال: "ولم يُسبق الخليل إلا بهذه الدراسة (دراسة الظواهر الصوتية عند اليونان) وبدراسة صوتية أخرى قام بها الهنود، تناولت مخارج الحروف فقط، وبذلك استكملوا ما فات اليونان استكماله، وخلفوا ما سماه المحدثون بعلم الأصوات الوصفي". ثم أضاف إليه (إبراهيم السامرائي) لقوله: "وإن لم يكن لدينا من الأدلة القاطعة ما ينفى أحدهما أو يثبته".

ثم هو يسلك في الـ "بين بين" أستاده (حسين نصار) لتساؤله "أحقا أنه – الخليل- تأثر في غرضه وترتيب معجمه على الحروف باليونان. ثم طرح نظامهم واتخذ نظام الهنود؟ ".

ويعرج الدكتور بكار على احتمال تأثر الخليل بعروض الهند قياسا على احتمال تأثره في (العين) بالسنسكريتية مشيرا في ذلك إلى "التفات بعض الدارسين إلى مصدر مهم لأبي الريحان البيروني من القرن الخامس الهجري، ربما كان أقدمهم الباحث الإيراني (برويز ناتل خانلري) الذي نبه عليه في كتابه (وزن شعر فارسي) ... وتلاه من العرب (صفاء خلوصي) في مقدمته على كتاب (القسطاس المستقيم في علم العروض) للزمخشري". ثم يأخذ في طرح أقوال البيروني في كتابه المشهور الذي ألمح في عنوانه بيتا (أو بيتين) من الشعر على السريع (عند الخليل) أو على الرجز (عند العرب) على حد قول المعري، وهو (تحقيق ما للهند من مقولة، مقبولة في العقل أو مرذولة). ويختم هذا المبحث بقوله: " أما الآخر، صفاء خلوصي، فانتهى، مفيدا مما تتناقله المظان القديمة كثيرا عن فطنة الخليل وذكائه وتفكيره الرباضي، إلى أنه كان "رياضي التفكير، وكانت الرياضيات يومها تكتسب من الهند بالدرجة الأولى. وقد قاده بحثه في الرياضيات إلى البحث في العروض، الذي جعله الهنود ضربا من الحساب الرياضي. وقد يكون الخليل لاحظ، بعد اطلاعه على العروض السنسكريتي، ضربات المطارق عند الحدادين أو القصارين، أو حركة أخفاف الجمال، فزاد يقينا من أن الشعر مؤلف من متحركات وسواكن تتعاقب بشكل معين منتظم ... وليس غريبا أو مستبعدا أن يكون قد رأى كتابا في العروض اليوناني (ذكر في الحاشية أن المرحوم جواد علي أخبره أنه وجد نصا في بعض المظان العربية القديمة يؤيد هذا الرأي)، إلى جانب كتب في العروض. فقد عاش الخليل في عصر التقاء الثقافات الهندية والفارسية واليونانية مع العربية، أما أن يكون العروض قد ولد كاملا أو أشبه بالمتكامل في ذهن الخليل، فهو أمر بعيد عن الواقع".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير