[من غفلات العلماء وأدب تلاميذهم]
ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[17 - 01 - 2010, 10:31 م]ـ
[من غفلات العلماء وأدب تلاميذهم]
قال أبو الحسن العروضي في كتابه في العروض:
"وسئل رجل من جِلّة أهل العلم بحضرتي عن قول الشاعر: "تدعوني وأدعوها"، فقال: الواو. قلت أظنه الهاء. فقال: لا، الهاء وصل. قلت: فقوله "ميلوا إلى الدار من ليلى نحييها" أول هذه القصيدة، أين حرف الروي؟ قال: الياء. قلت: حرف الروي .. يجوز أن يتغير؟! قال: نعم. فاعتقد المحال لقوله ما في نفسه أن الهاء وصل، ولو أنعم النظر بان له الخبر، وليس مثله من ذهب عليه مثل هذا، ولم يرض الذي سأله حتى أخذ خطه بيده بما قال، لأنه أصاب الفرصة فيه فاستغفله".
هل تعرف من ذلك الرجل الذي يعد من "جلة أهل العلم"؟ إنه أبو إسحاق الزجاج شيخ أبي الحسن العروضي وأستاذه الذي انتهت إليه رياسة المدرسة البصرية في النحو بعد المبرد. ويبدو لنا تأدب أبي الحسن في روايته لهذه الواقعة أثناء عرضه لمبحث الروي في كتابه ليرينا أنه حتى العلماء أنفسهم يخطئون في الرأي في مسائل تعد من البديهيات لأهل العلم، ولكنه لم يحاول أن يفضح هذا الأستاذ ويعرض بغفلته في كتابه كما فعل ذلك الذي تعمد استغفاله وأصر على أن يجعله يوثق رأيه كتابة لغرض في نفسه.
ثم انظر إلى أدب أبي الحسن وهو يرد على أستاذه بقوله "أظنه الهاء"، فلم يتعالم عليه، ويتنطح بقوله "بل هو الهاء" ليترك لشيخه فرصة أن يتنبه إلى غلطته ويرد عليه بقوله "صدق ظنك، إنها الهاء فعلا".
ولم نكن لنعلم اسم ذلك العالم الذي أخفى أبو الحسن اسمه علينا لولا أن جاءنا أبو العلاء المعري في مقدمته للزوميات بنفس الرواية مع ذكر اسم ذلك الرجل الذي يبدو أن أبا الحسن صرح به في مناسبة أخرى أو كتاب غير كتابه في العروض. قال المعري: "وقد روى أبو الحسن العروضي الذي كان في صحبة الراضي أن أبا إسحاق الزجاج سئل عن الروي في قول الشاعر:
"ميلوا إلى الدار من ليلى نحييها"
ثم نقل نشوان الحميري هذه الرواية عن المعري كما يبدو من نصها في كتابه "الحور العين"، وزاد بقوله: "ومثل ذلك قول الشاعر:
إن قلبي كاد يكويهْ = ذو دلال لا أسميهْ
لان حتى لو مشى الذرّ عليه كاد يدميهْ
ولم يذكر لنا اسم ذلك الشاعر الذي استشهد الخليل ببيته الثاني للتمثيل على الضرب الأول من العروض الثانية للرمل:
فاعلاتن فاعلاتن = فاعلاتن فاعلاتان
وضمنه ابن عبد ربه مقطوعته التي مثل بها لهذا الضرب أيضا.
وخلاصة هذه الحكاية، سؤالي: هل يكون أبو الحسن العروضي تخلى عن كتمانه لاسم ذلك العالم الذي كان يجله في حياته، ثم بعد ذلك وبعد أن أصدر كتابه ذاك صرح بما كتمه؟ ثم، ومن أي مصدر وقف المعري على هذه الرواية ... ألا يكون اطلع عليها من كتاب لذلك الرجل النكرة الذي تعمد إحراج الزجاج وجعله يوثق كلامه كتابة؟
لا ندري ....