[تعريف القافية]
ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[03 - 05 - 2010, 08:46 م]ـ
القافية عند الخليل من آخر حرف في البيت إلى أول ساكن يليه مع المتحرك الذي قبل الساكن (1)، وقيل: مع الحركة التي قبل
الساكن (2) وقد ذكر الخليل ستة حروف ضمن هذا التعريف وست حركات، أما الحروف فهي: الروي والوصل والخروج والردف والتأسيس والدخيل، وأما الحركات فهي: المجرى والنفاذ والحذو والرس والإشباع والتوجيه. وترد معظم هذه الحروف والحركات في قافية البيت التالي، وهو للبحتري:
(1) يفني الشباب إذا ما تم تكملة () والشيء يرجعه نقصا تكامُلُهُ
القافية على قول الخليل الأول من الكاف إلى آخر البيت، وعلى الحكاية الثانية من فتحة الكاف نفسها إلى آخر البيت. وفيها نجد بعد الروي، وهو هنا اللام، الضمة وهي المجرى، ثم الهاء وهي الوصل، ثم الضمة وهي النفاذ، ثم الواو الأخيرة وهي الخروج. ونجد قبل الروي الضمة وهي الإشباع، وقبلها الميم وهو الدخيل، فالتأسيس وهو الألف، وقبله فتحة الكاف وهي الرس. ولم نجد اسما لهذه الكاف وهي المتحرك الذي بدأت به القافية. ويبقى من الحروف والحركات المسميات، مما لم نمثل له، الردف والحذو والتوجيه. فأما الردف والحذو فتجدهما في بيت البحتري التالي:
(2) عاود القلب بثه وخبالُهْ () لخليطٍ زُمّت بليلٍ جِمالُهْ
الألف قبل الروي: ردف، والفتحة قبلها حذو.
وأما التوجيه، وهي حركة الحرف الذي قبل الروي المقيد، فتجدها في قول البحتري أيضا:
(3) إن شعري سار في كل بلد () واشتهى رقته كل أحد
فتحة الحاء قبل الدال الساكنة: توجيه. وقبل هذا التوجيه سلسلة طويلة من الحروف والحركات غير المسميات، تبدأ من الكاف فضمتها، فاللام الأولى، وهي أول الساكنين، ثم اللام الثانية وضمتها، ثم الهمزة وفتحتها، ثم الحاء. فهذه إذن خمسة أحرف وثلاث حركات دخلت جميعها في القافية بحكم التعريف الذي وضعه الخليل، إلا أن أيا من هذه الحروف والحركات لم يحظ باسم يخصه، وهو ما يعني إعفاءها جميعا من أي قدر من الالتزام، وبالتالي يثار التساؤل هنا حول ما يدعو لعدها من حروف القافية.
التعريف الكوفي للقافية:
ذهب ابن كيسان إلى أن القافية كل شيء لزمت إعادته في آخر البيت، قال ابن جني (3) "وقد لاذ هذا بنحو من رأي الخليل إلا أنه يلزم منه تقطع القافية واختلالها واعتراض أشياء بين أثنائها ليست منها. ألا ترى إلى قول عدي بن زيد:
لم أر مثل الفتيان في غَبَن الأيـ (م) ــام ينسَون ما عَواقِبُها
فأول ما يلزم في هذه القافية فتحة الواو، ثم الألف، ثم الباء، ثم الهاء والقاف يجوز مكانها غيرها، فقد اختلفت القافية لدخول ما ليس منها بين بعض أجزائها وبعض. وقول الخليل لا يلزم عليه، ألا ترى أنه يرى أن القافية من فتحة الواو إلى آخر البيت، والقاف دخيلة فيه، وإن جاء اختلافها ".
وقال ابن رشيق في العمدة (4): إن الفراء يحيى بن زياد قد نص في كتاب حروف المعجم أن القافية هي حرف الروي، واتبعه على ذلك أكثر الكوفيين: منهم أحمد بن كيسان، وغيره، وخالفه من أهل الكوفة أبو موسى الحامض فقال: القافية ما لزم الشاعر تكراره في آخر كل بيت". ثم علق على قول أبي موسى بقوله: "وهذا كلام مختصر مليح الظاهر، إلا أنه إذا تأملته كلام الخليل بعينه لا زيادة فيه ولا نقصان"، فهو لم يلمح في هذا التعريف الخلل الذي أشار إليه ابن جني. ومع ذلك فقد وجدنا ابن السراج يشير إلى خلل آخر ولكن في تعريف الخليل هذه المرة، قال في المعيار (5): إنه"إن أجاز (ينطلق) مع (يحترق) أجاز اختلاف القافية، وإن منعه خالف الإجماع". وكذلك نحا الدكتور عبد الله الغذامي نحو ابن السراج في نقده لتعريف الخليل بالقول إنه "ينطبق على كل نهاية في أي جملة مفيدة، فلو قلنا مثلا: (جاء الفتى باسما، لأنه حاز على جائزة) لصارت كلمة (باسما) قافية للجملة الأولى، وكلمة (جائزة) قافية للجملة الثانية مع أن هذا الكلام نثر لا شعر (6) ".
إن نقد ابن السراج يشير إلى أن ثمة مجموعة من الحروف لا تتكرر بعينها في القافية مع أنها داخلة في تعريف الخليل لها، في حين تخلص التعريف الكوفي من هذا المأزق بالنص على "ما لزمت إعادته في آخر البيت"، وبالتالي فلم يدخل في اعتباره الحروف التي لا تتكرر في كلمتي ينطلق ويحترق، واستحق بذلك وصف ابن رشيق له بأنه كلام مختصر مليح الظاهر.
¥