ونلاحظ أن الألف والياء والواو جاءت بعد هاء الوصل في الأبيات الثلاثة.
الرَّدف ألف أو واو أو ياء سواكن قبل حرف الروي معه.
فالألف في قوله:
وبلد يغتال خطو الخاطي
الطاء روي، والألف ردف قبله.
والواو في قوله:
طَحَابِك قلبٌ في الحسَانِ طرُوبُ
الباء روي، والواو ردف قبله.
والياء في قوله:
قد اغتدى للحاجة العسير
فالرَّاء روي، والياء ردف قبله.
التأسيس يكون بالألف قبل حرف الرويّ بحرف كما في قول ذي الرمة:
بجمهور حُزوى فابكيا في المنازل
فالألف قبل الزاي تأسيس.
والدّخيل هو الحرف الذي بين التأسيس والرّوي، نحو قول لبيد:
بلينا وما تبلى النجوم الطوالع وتبقى الديارُ بعدنا والمصانع
فالنون دخيل وقع بين ألف التأسيس وبين الرّوي، حرف العين.
الحركات هي: المجرى والنفاذ والحذو والرّس والإشباع والتوجيه.
وأما عيوب القافية فهي: الإ قواء والإكفاء والإيطاء والسّناد الذي على خمسة أنواع هي: سناد التأسيس وسناد الحذو وسناد التوجيه وسناد الإشباع وسناد الرّدف، ثم عيب التضمين والإجازة.
وقد رأى دارسو الشعر أن عدد القوافي ثلاثون قافيةً: منها للمتكاوس واحدة، وأربع للمتراكب، وست للمتدارك، وسبع للمتواتر، واثنتا عشرة قافية للمترادف.
الإيقاع هو الوزن الطبيعي المحسوس في أثناء الرقص والموسيقى واللغة. ففي الرقص، تنبعث الأنماط والأنغام الموسيقية بحركات جَسدية فترات أقصر أو أطول، وبنبرات مُشدَّدة أ و مخفَّفة. وفي الموسيقى، فإن التعايير والأشكال المقفاة التي تنبع من ترتيب الألحان، يتم تنظيمها حسب الوقت والشدَّات. أما في اللغة، فإن القافية هي رفع الأصوات وخفضها حسب المقاطع، والألحان الصوتية، والشدَّات اللفظية والسَكَنات. وتتمثل موسيقى الشعر العربي في بحوره وقوافيه. ويُفَرَّق هنا بين أمرين أولهما الإيقاع العام: ويعني وحدة النغم التي تتكرر على نحو ما في الكلام أو في البيت حين تتوالى المتحركات والسَّواكن بشكل متسق في مقطعين أو أكثر من مقاطع الكلام أو أبيات القصيدة.
هذا اللون من الإيقاع لا يخلو منه النثر ويسمَّى التصريع. أما الإيقاع في الشعر فمداره التفعيلة في البحر العربي، والمقصود من التفعيلة مقابلة الحركات والسكنات فيها بنظائرها في الكلمات في البيت دون أن نفرق بين الحرف الساكن اللين والحرف الساكن الجامد وحرف المد.
خلاصة ذلك أن حركة كل تفعيلة هي وحدة الإيقاع في البيت. أما الوزن فهو مجموع التفعيلات التي يتألَّف منها البيت الذي هو الوحدة الموسيقية للقصيدة العربية.
وفي موسيقى الشعر، على الشاعر أن يراعي المساواة بين أبيات القصيدة في الإيقاع والوزن، بحيث تتساوى الأبيات في نصيبها من عدد المتحركات والسواكن المتوالية، وهذه المساواة تحقق مانسميه: وحدة النغم.
عُني الشعر العربي منذ القدم بوحدة الإيقاع والوزن وحرص عليها حرصًا شديدًا فالتزمها في أبيات القصيدة كلها، وزاد عليها التزامه قافية واحدة وحرف روي واحدًا، بل التزم بعضهم بأكثر من حرف، كأبي العلاء المعري في لزومياته. وهذا الالتزام مقياسه براعة الشاعر لأنه يزيد من وحدات الإيقاع الصوتية.
وهذه المساواة في وحدات الإيقاع والوزن ليست تامة كل التمام، إذ لو كانت كذلك لأصبحت النغمات رتيبة يملها السمع. إذن فالوزن والإيقاع لا يتفقان كل الاتفاق في أبيات القصيدة الواحدة، فالتفعيلات المكونة للبحور الشعرية تظل واحدة في كل الأبيات ولكن الشاعر حر في نقصها أو تسكين محركها على نحو ما قرره علم العروض في الزحافات والعلل. انظر: الجزء الخاص بالعروض في هذه المقالة. وسبب آخر لعدم الاتفاق التام هو اختلاف حروف الكلمات التي تقابل حروف التفعيلات بعضها ببعض، فهي تتراوح بين حروف ساكنة وحروف مد طويلة وحروف لين. وهذا الاختلاف الصوتي ينوِّع موسيقى الشعر كما ينوِّع معاني الإيحاء الموسيقي في الوزن الواحد. فموسيقى البيت تابعة للمعنى والمعنى يتغيّر من بيت لآخر حسب الفكر والشعور والصورة المعبر عنها.
ومن أهم العوامل التي تؤدّي إلى شيء من التفرع الموسيقي داخل الوحدة الموسيقية للقصيدة العربية، الإنشاد أو الإلقاء؛ حيث يطول الصوت في بعض الكلمات ويقصر في أخرى ويرتفع تارة وينخفض أخرى. وهذا يعني أننا نقيس في العروض مقاطع الصوت مقياسًا كميًِّا على حين هنالك مقاييس كيفية لها تأثير فاعل على عدد حروف الكلمات وموسيقاها. فالكلمات وهي مفردة ينطق بمقاطعها على السواء، ولكنها في الجمل عامة وفي الشعر خاصة تقتضي نطقًا يكسبها تنوعاً في موسيقاها حتى ولو كان ذلك في القراءة الصامتة؛ فموسيقى الشعر تظل خاصة من خصائصه همسًا أو إلقاءً. وتظل موسيقى الشعر شديدة الصلة بمعناه، فباختلاف المعنى، تتنوع موسيقى الإنشاد ويتنوع الصوت حسب موقع الكلمة، ويختلف إن كان الأمر استفهامًا أو تعجُّبًا أو إثباتًا أو نفيًا أو أمرًا أو نهيًا أو دعاءً وما إليها. فالوزن والإيقاع متحدان ولا وجود لمقطع صوتي أو تفعيلة مستقلة، بل وجودها متصل بالبيت في معناه وموقعه من الأبيات الأخرى.
حاول بعض الدارسين أن يربط بين موضوع القصيدة والبحر الذي تكتب فيه لإيجاد صلة ما، بين موقف الشاعر في التعبير عن معانيه وعواطفه وبين الإيقاع والوزن اللذين اختارهما لهذه الغاية، وهو أمر لا يثبت عند التمحيص، فالعرب قد نظموا على البحر الواحد مختلف الأغراض.
أما القافية فلها قيمة موسيقية عالية في الشعر العربي، فتكرارها يزيد في وحدة النغم وهي جزء أصيل في تكملة المعنى ولا يمكن الاستغناء عنها، وتكون نهاية طبيعية للبيت الشعري. وقد حاول بعض النقاد الربط بين حروف القوافي وموضوع الشعر، ولكن الأمر يشبه علاقة البحور بموضوعات القصائد، وما يزال للقافية سلطانها في الشعر العربي الحديث.
وقد بدأت الثورة على الوزن والقافية منذ القرن الثالث الهجري حين رأى بعض الشعراء في ذلك قيدًا، وتطلعوا إلى شيء من التجديد. ويمثل الموشح في الأندلس أقوى هذه الثّورات على نظام القصيدة في الأوزان والقوافي.