5 - المترادف وهو كل قافية اجتمع في آخرها ساكنان، نحوقوله:
وأسعد في ليل البلابل صفـ/ـوانْ
والمتأمل في هذه الأقسام الخمسة لا يرى طائلا من ورائها، فما هي في واقع الأمر إلا تشكيلات متنوعة من الحركات بين الساكنين الأخيرين في القافية، توهم بالأسماء الموضوعة لها بأنها كالأوزان أو الضروب لا يجب أن يجتمع اثنان منها في قصيدة واحدة. وهي، في النهاية، لم تتشكل إلا وفقا للتعريف الخليلي للقافية، وإذن، فهي لا تعني شيئا يذكر عند أصحاب التعريف الكوفي. والمثال التالي يظهر وحدة القافية على الرغم من تعدد أقسامها، قال أبو العتاهية:
إن أخاك الصدق من كان معك
ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك
شتت فيه شمله ليجمعك
تجد فيها ثلاثة أقسام للقافية: المتراكب في البيت الأول، والمتدارك في البيتين الثاني والرابع، وأما في البيت الثالث فتجد المتكاوس. والقافية فيها جميعا واحدة تتألف من الروي وهو العين، يليه حركة تسمى المجرى وحرف يسمى الوصل. وأما الردف فهو الحركة التي تسبق الروي، وهذا الوصف هو عينه في كل قسم من أقسام التي يمكن أن تقع في القصيدة.
تعريفات أخرى للقافية:
قال الأخفش: اعلم أن القافية آخر كلمة في البيت، ثم ذكر تعريفين آخرين لبعض العرب، الأول أنها: البيت، كما في قول حسان:
فنُحكِم بالقوافي من هجانا () ونضرب حين تختلط الدماء
والثاني أنها: القصيدة، قالت الخنساء:
وقافية مثل حد السنا (م) نِ تبقى ويذهب من قالها
وقال ابن جني مؤيدا تعريف الأخفش: "إذا جاز أن تسمي القصيدة كلها قافية، كانت تسمية الكلمة التي فيها القافية قافية أجدر". ثم قال: "وعندي أن تسمية الكلمة والبيت والقصيدة قافية إنما هو على إرادة ذو القافية (10) "، ولا نعلم ما إذا كان قوله الأخيرهذا استدراكا لما قبله من الكلام، أم أنه من كلام ابن سيده وقد اختلط بقول ابن جني الذي نقله في المحكم.
وانتقد الأخفش من زعم بأن حرف الروي هو القافية لأنه لازم بقوله: "إن الأسماء لا تؤخذ بالقياس، وإنما ننظر ما تسمي العرب فنسمي به. ونقول له: صحة البيت لازمة، فهلا تجعلها قافية؟! وتأليفه لازم له وبناؤه، فهلا تجعل كل واحد من ذا قافية"؟!
ولم ينسب هذا الزعم لأحد، ولكننا وجدنا ابن كيسان في كتابه (تلقيب القوافي وتلقيب حركاتها) يقول: "قال الخليل: القافية الحرف الذي يلزمه الشاعر في آخر كل بيت حتى يفرغ من شعره (11) ". ثم لم يذكر لنا ابن كيسان تعريفا آخر سوى ما أشار إليه من قول الأخفش "وقد يسمى البيت بأسره قافية، ويجوز أن يكون سمي قافية بالحرف الذي فيه، وإنما سمي الحرف قافية لأنه يقفو ما تقدمه من الحروف".
وقول ابن كيسان هذا يبدو غريبا بالنظر إلى ما ذكرناه من أن ابن جني نقل له تعريفا مختلفا للقافية. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن ما يثير حيرتنا في الأمر هو ما أشار إليه ابن رشيق من اتباع ابن كيسان وغيره من الكوفيين لرأي الفراء في القافية، ولم يقل لرأي الخليل كما رأينا في كتابه، فالأمر يبدو وكأن لابن كيسان كتبا أخرى تعددت فيها وجهات نظره!
والروي هو آخر حرف في البيت إذا كان من أصول الكلمة، ولم بكن يعد من الزوائد وهي: الألف والواو والياء، اللاتي للمد، والهاء والتاء والكاف والميم والنون، وهذه الأحرف الزوائد لا تصلح أن تكون رويا لأنها كثيرة الشيوع. قال الدكتورعلي يونس: "إن الصوت يمنع من أن يكون رويا أو يفضل غيره عليه في موقع الروي إذا شعر أصحاب اللغة أنه صوت "ضعيف"؛ إما لخفوته في السمع، وإما لشيوعه إلى حد يضعف الإحساس به، وإما لشعورهم بأن دوره ثانوي في تكوين متن اللغة، أو لأنه مورفيم مقيد، وهو في إحساسهم أقل قيمة وقوة من المورفيم الحر (12) ".
لكن هذه الحروف الزوائد يمكن لها أن تكون رويا إذا كان ما يسبقها حرف ساكن أو صوت مد، كما في قول البحتري:
ميلوا إلى الدار من ليلى نحييها () نعم نسائلها عن بعض أهليها
فالروي فيها الهاء مع أنها من الحروف الزوائد.
وقد يكون الروي ثالث حرف من آخر البيت إذا لم يصلح ما بعده أن يكون رويا، وذلك نحو قول ابن قيس الرقيات:
ألا هزئت بنا قرشيّـ (م) ـــة يهتزّ موكبُها
الباء القافية، والهاء صلة، والألف خروج، وهذا على النحو الذي سار عليه ابن كيسان في الإشارة إلى حرف الروي في كتابه، وبهذا يصبح للقافية عنده معنيان: المعنى العام للقافية حسب تعريف الخليل المشهور، والمعنى الخاص الذي يشير إلى حرف الروي.
الهوامش:
1 - كتاب القوافي للأخفش تحقيق أحمد راتب النفاخ ط 1، ص 3.
2 - كتاب الكافي في علم القوافي لابن السراج تحقيق د. محمد رضوان الداية ط3 ص 116.
3 - الوافي بمعرفة القوافي للعنابي الأندلسي تحقيق د. نجاة بنت حسن نولي عام 1997 م، ص 48.
4 - العمدة لابن رشيق الجزء تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ج 1، ص 153.
5 - كتاب الكافي في علم القوافي لابن السراج تحقيق د. محمد رضوان الداية ط3، ص 116
6 - الصوت القديم الجديد للدكتور عبد الله الغذامي ط 2، ص 131.
7 - السابق، ص 134.
8 - حماسة أبي تمام وشروحها للدكتور عبد الله عبد الرحيم عسيلان، عام 1983 م، ص 187.
9 - في نظرية العروض العربي تأليف سليمان أحمد أبو ستة عام 1992 م، ص 48.
10 - انظر: الوافي بمعرفة القوافي ص 53، وكلام ابن جني هذا في المحكم لابن سيده.
11 - تلقيب القوافي وتلقيب حركاتها لابن كيسان نشرة وليم رايت، ص 48.
12 - دراسات عروضية للدكتور علي يونس، ص 108.
¥