(3) وافتقارا للصلة بين ماضي الأمة وحاضرها، مما يجعل الأجيال الناشئة تنطلق إلى المستقبل دون هوية، ودون شخصية محددة النسبة والملامح.
(4) وانفصالا - وهذا هو الأدهى - عن الدين، وكيف لا، ومصدر التشريع هو القرآن الكريم بإعجازه اللغوي (الذي لا يعرف أبناؤنا عنه شيئاُ)، وبيان هذا التشريع بالسنة المطهرة (وهي جوامع الكلم) فكيف السبيل إلى معرفة ذلك كله من دون إتقان للغة الفصحى، وقدرة كاملة على الفهم الجيد للمكتوب بها؟
(5) وعزلة بشرية تنشأ بين أبناء الأقطار العربية، إذ يتكلم أبناء كل قطر بلهجة خاصة (وما دعوى جعل الأمازيغية لغة رسمية في الجزائر ببعيدة) فإذا التقى أبناء هذه الأقطار يوماُ كانوا عربا في الجنسية، أشتاتا في الألسنة، ليس بينهم رابط من لغة أو فكر
فإذا انتقلنا إلى الحديث عن كيد أعداء هذه اللغة الشريفة لها:
فمفهومه: هو السعي الحثيث الدؤوب إلى إضعاف هذه اللغة، وتهوين قواها، وتحقير شأنها حتى يكرهها أبناؤها ويكرهوا أي رابطة تربطهم بها.
وأما أسبابه فكثيرة، منها:
(1) الحقد الدفين على الدين (الإسلام) الذي نزل كتابه بهذه اللغة، ولا سبيل إلى فصل أبناء العرب عن دينهم هذا إلا بمحاولة إماتة لغته.
(2) والحقد الدفين على أبناء هذه اللغة] ن فهم من نسل الفاتحين المسلمين، الذين دقوا أبواب عواصم الغرب، فاتحين بالحق، ناشرين للعدل، مؤسسين للممالك العربية.
(3) والرغبة في السيطرة (بكل أشكالها) على أبناء هذه الأمة وإدخالهم في تبعية فكرية واقتصادية، وسياسية، ولا سبيل إلى ذلك والأمة مجتمعة، وإحدى وسائل تجميعها هي اللغة، وإحدى وسائل تفريقها هي غربة اللسان والفكر.
وأما مظاهر هذا الكيد فمتعددة كذلك، منها:
(1) ما أسس له الأعداء (في فترة استعمارهم للبلدان العربية والإسلامية) من فصل بين التعليمين: الديني والمدني، وهو ما تزال البلاد العربية تعاني منه حتى الآن، ولا تعرف كيفية الخلاص منه.
(2) التغريب، ومحاولات الغزو الفكري عن طريق استقطاب أصحاب التميز العلمي للدراسة في بلاد الغربة، والعودة بالعلم وفلسفته معاً، ونحن لا نكره العلم، لكن الخطر يأتي من تلك الفلسفة العلمانية التي تصاحبه، والتي تبعد الناس عن الدين ولغته.
(3) الإغراق المعرفي والإعلامي بالمادة المنشورة والمبثوثة التي تهون من شأن اللغة العربية وتحط من قدر تعليمها ومتعلميها وتعلي من شأن اللغات الأجنبية والناطقين بها.
وأما نتائج ذلك فمعروفة، ومنها:
(1) استمرار جهل أبناء اللغة العربية بلغتهم وزيادة نفورهم وبعدهم عنها.
(2) تحقيق ما يهدف إليه أعداء لغتنا الشريفة من فرقة بين أبنائنا وغربة في الألسنة، تتبعها غربة في الفكر والأهداف والغايات.
وليس فيما ذكرته شيء من تهويل أو مبالغة، وليس فيه شيء من عصبية أو حمية غير بصيرة، وإنما هو الإنذار والتذكير، وبيان الحق في المسألة، حتى لا تفاجأ يوماً بالخنجر المزدوج النصل، وقد انغرس في قلب هذه اللغة إلى نهايته، فماتت، وماتت معها العروبة.