[الذئب الهرم " قصة مترجمة "]
ـ[معاوية]ــــــــ[12 - 04 - 2005, 10:20 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه قصة لشاعر ألماني, نقلها إلى العربية محمود الدسوقي:
لما هرم الذئب الشرير، وبلغ أرذل العمر، صحت عزيمة النفاق فيه على العيش مع الرعيان في سلام. فخرج إلى الراعي الذي تجاور قطعانُه جُحره،
وقال له: أيها الراعي إنك تسميني لصاً متعطشاً للدماء. وإن كنت في الحقيقة غير ذلك. صحيح أنه لا معدى لي عن اللجوء إلى غنمك إذا جعت , ذلك أن الجوع مؤلم، فَقِني شر الجوع. أشبعني تسلَمْ ولا تَرَ مِنّي مكروهاً , فإني - في الحق - أودعُ مخلوق على وجه الأرض، وأدمث مخلوق ٍ خُلقاً حين أشبع.
فقال الراعي:
حين تشبع؟ ربما. لكن متى كنت شبعان؟ إنك والبخل صنوان لا يشبعان، فامض.
وجاء الذئب المنهور إلى راع ٍ ثان وقال له:
إنك تعلم، أيها الراعي، أني أستطيع أن أنكبك في عامك في بضعةٍ من خرافك. فإذا خصصتني في العام بستةٍ منها قنعتُ، واستطعتَ أن تنام ملءَ جفونك، واستغنيت مطمئنا عن كلابك.
قال الراعي: ستة خراف؟ إن هذا لقطيع كامل. فقال الذئب: أكتفي بخمسةٍ من أجلك. قال الراعي: خمسة. إنك تهذي. فقال الذئب: ولا أربعة؟
فهزَّ الراعي رأسه سخراً، فقال الذئب ثلاثة؟ اثنان؟
وكان الجواب الأخير: ولا واحد فإن من الحمق أن أجعل لعدوي جعلا ً، علىّ، وأنا قادر باليقظة أن أتّقي شرّه.
قال الذئب في نفسه: الثالثة ثابتة. وقصد إلى راعٍ ثالث وقال له: أكاد أكون عندكم يا معشر الرعاة، الوحش الذي لا حدّ لضراوته ولا وزن لضميره، لكني سأثبت لك أنت مبلغ ظلمكم إياي. أعطني خروفا ً واحداً كل عام تَرْع َ قطعانك. وهي آمنة مطمئنة. في تلك الغابة التي لا يذهب بأمنها سواي .. خروفا ً واحداً .. ما أتفهه من أجر! هل يمكن أن أكون أكرم من ذلك وأكثر في المساومة تجردا ً عن المصلحة؟ أنصحك أيها الراعي فعلام الضحك إذن؟
فأجاب الراعي: لا أضحك على شئ، لكن هلا َّ أخبرتني كم عمرك يا صديقي؟ قال الذئب: وماذا يعنيك من عمري؟ إني أستطيع في أي عمر أن أنكبك في أعز حِمْلانك. قال الراعي: كفكفْ من غَرْبك أيها الذئب الهرم، فإنه ليؤسفني أن تتقدم باقتراحك بعد فوات الأوان ببضع سنوات. وفمك الأدرد شاهد على ذلك. إنك تصنع التجرد والزهد لتحصيل القوت بأهون خطر، وأدنى جهد.
وفكّر الذئب: لا بد أن أفرغ قُصاراي وألا أدّخر في سبيل الوصول إلى غرضي وُسْعا ً.
وأتى الراعي الرابع وقال له: أيها الراعي، كيف ترى فروتي؟ قال الراعي: فروتك، أرني، إنها جميلة، ولا بد أن الكلاب لم تظفر بك كثيرا ً.
قال الذئب: إذا ً فاسمع أيها الراعي، لقد هرمت، ولن أستطيع بعد اليوم سعيا ً. فأطعمني حتى أموت، أهبْ لك بعد الموت فروتي. قال الراعي: يا عجبا ً! أنت تلجأ إلى حيل الطاعنين في السن من البخلاء، كلا، فما أرى فروتك إلا ستكلفني في النهاية أضعاف أضعاف ما تستحق. إذا كنت جادا ً فيما تعلنه من الرغبة في إهداء فروتك، فهبنيها الآن في الحال. وطلب الراعي هراوته، فلاذ الذئب بالفرار.
وعوى الذئب: يا لهولاء القساة. وأخذ منه الغضب مأخذه ولم يعرف غيظه حدا ً. وقال: هل أصبر حتى أموت جوعا ً، بل سأموت عدوا ً لهم ما داموا يكرهون الإصلاح.
وعدا يطلب بيوتهم، فسطا عليها، وفتّك بأطفالها، ولم يتمكن منه الرعاة إلا بعد جهدٍ جهيد.
عندئذ قالت الحكماء منهم: لقد أخطأنا إذ أحرجنا الذئب هذا الحرج الشديد , فحرمناه كل وسيلة للإصلاح، وأحبطنا كل محاولةٍ، وإن جاءت متكلفة ً وبعد فوات الأوان.