تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ظاهرة التَّلَطف في الأساليب العربية

ـ[ابوحمزة]ــــــــ[24 - 04 - 2005, 04:59 ص]ـ

ظاهرة التَّلَطف في الأساليب العربية

(دراسة دلالية لتقبل الألفاظ لدى الجماعة اللغوية)

د. محمد بن سعيد بن إبراهيم الثبيتي

الأستاذ المساعد - بمعهد اللغة العربية - قسم التخصص اللغويّ والتربويّ

جامعة أم القرى

ملخص البحث

هذا البحث محاولة لإبراز أهمية الجانب الاجتماعي في دراسة اللغة والكشف عن أسرارها ذات الصلة بحياة المجتمع وخاصة ما تكون عليه الجماعة اللغوية من حشمة وأدب ونحوهما فتلجأ تجاه هذا النمط الاجتماعي من حياتها إلى ظاهرة التلطف في اللغة، فتبلغ بذلك غرضها بأسلوب راق مراعية بذلك الآثار النفسية والقيم الاجتماعية في حياة الفرد والمجتمع. وعلى ضوء ذلك تناولت الدراسة هذه الظاهرة من عدة جوانب، وهي:

1 - التلطف لغة واصطلاحاً: وفيه تعريف موجز بمعنى كلمة التلطف في اللغة، وبيان معناها الاصطلاحي لدى القدماء والمحدثين.

2 - المواقف التي يعمد المتكلم فيها إلى التلطف: وقد أشارت الدراسة إلى موقفين، أحدهما: فردي يعتمد على سرعة البديهة والفطنة والذكاء. والآخر: جماعي يحاكي فيه الفرد مجتمعه فيخضع إلى ما يقرره المجتمع في خطابه محاكياً له في جل الدوافع التي تعود إلى الحياة الاجتماعية كالكياسة والتأدب، والتطير والتفاؤل، والخوف والفزع ونحو ذلك.

3 - دوافع التلطف وأسبابه: حيث أشارت الدراسة إلى أهمية هذه الدوافع لدى القدماء والمحدثين وخلصت إلى بيان أبرزها وهي:

الكياسة والتأدب – التفاؤل والتشاؤم – التبجيل والتعظيم.

4 - ثم ختمت الدراسة، بيان أهم وسائل التلطف وهي الاستعمال المجازي عن طريق الكناية ونحوها، والتحريف الصوتي عن طريق الإبدال ونحوه.

والله أسأل أن يوفق الجميع لخدمة لغة القران، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.

• • •

التمهيد:

إنَّ اللغاتِ تتأثرُ بحضارات الأمم ونظمِها، وتقاليدها، وعقائدها، واتجاهاتها النفسية والثقافية وغير ذلك من شئون الحياة الاجتماعية، وكلّ تطور يحدث في ناحية من هذه النواحي يتردد صداه في أداة التعبير وهي اللغة، لذلك تُعَدُّ اللغات أصدق سجل لتاريخ الشعوب. فكلما اتسعتْ حضارةُ الأمةِ، وكَثُرتْ حاجاتُها، ورقي تفكيرها، وتهذيتْ اتجاهاتُها النفسيةُ، نهضت لغتُها وسمتْ أساليبُها وتعددتْ فيها فنونُ القول. وهلم جرا ([1]).

واللغة العربية أصدق شاهدٍ على ما نقول فقد عُدَّتْ في مقدِّمة اللغات الراقية لما وصلت إليه من تهذيب في ألفاظها وسموٍّ في أساليبها، ودقةٍ في تراكيبها، ومرونة في التعبير عن حاجاتها، وتنوعت فنون القول فيها حتى سحرت كثيراً من الباحثين - قدماء ومحدثين - فرأوها أفضل اللغات وأفصحها، وأجملها، وفي ذلك يقول ابن جنيِّ من القدماءِ:

((وذلك أنّا نسأل علماءَ العربيةِ مِمَّنْ أصلُه عَجَميٌّ وقد تدرب بلغته قبل استعرابه عن حال اللغتين، فلا يجمع بينهما، بل لايكاد يقبل السؤال عن ذلك، لبعده في نفسه، وتقدم لطف العربية في رأيه وحسهِ. سألت غيرَ مرَّةٍ أبا عليٍّ - رضي الله عنه .. عن ذلك، فكان جوابه عنه نحواً مما حكيته ... ولم نر أحداً من أشياخنا فيها - كأبي حاتم وبُنْدَار وأبي عليٍّ، وفلان وفلان - يُسوُّون بينهما، ولا يُقرّبون بين حاليهما. وكأنَّ هذا موضعٌ ليس للخلاف فيه مجالٌ لوضوحه عند الكافَّةِ)) ([2]).

ويقول ابن خلدون: ((وكانتِ الملكةُ الحاصلة للعرب من ذلك أحقَّ الملكاتِ وأوضَحها بياناً عن المقصد)) ([3]).

ويرى ابن فارس أن اللغة العربية أفضل اللغات وأوسعُها، وذلك دليلٌ على أنَّ اللَّهَ اختارها لأشرف رسله وخاتم رسالاته، فأنزل بها كتابه المبين ([4]). وإلى مثل هذا ذهب السيوطيُّ وغيره من القدماء ([5]).

وخلاصة القولِ أنَّ اللغة مرآةٌ ينعكس فيها كلُّ ما يسير عليه الناطقون بها في شئونهم الاجتماعية العامة والخاصة ويشمل ذلك العقائد والعادات، والتقاليد، والمبادئ وغير ذلك مما يصبغ اللغة بصبغة خاصّةٍ في جميع مظاهرها: في الأصواتِ، والمفرداتِ، والدِّلالة، والقواعد، والأساليب ... وهلم جرا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير