تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[واجب شرعي]

ـ[أنوار الأمل]ــــــــ[10 - 02 - 2005, 01:26 ص]ـ

حماية اللغة العربية واجب شرعي

بقلم/ محمد محمود ولد محمد أحيد

إن رسالة الإسلام التي ختم الله بها وحي السماء وأتم بها نعمته على الإنسانية تضمنت – فيما تضمنت – ثلاثة اختيارات إلهية لا سبيل للاعتراض عليها وهي:

- اختيار شخص محمد صلى الله عليه وسلم العربي دما ولسانا مبلغا أمينا ومضطلعاً زعيما بأعباء خاتمة الرسالات السماوية لحكمة إلهية اقتضت ذلك كما اقتضت بعث أنبياء ورسل كثيرين من أمم غير عربية: (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير).

- اختيار أمة العرب حملةً لتلك الرسالة – لا خزنةً عليها – إلى بقية الشعوب وهو اختيار تكليفي من جهة، يلزم العرب بالتزام خدمة الرسالة ونشرها، وتشريفي من جهة أخرى، يعطي العرب شرفاً رمزياً ما التزموا بالجانب التكليفي (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم).

- اختيار اللسان العربي وعاءً لتلك الرسالة تمشياً مع سنة الله الدائمة في جعله كل رسالة بلسان قوم صاحبها: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه)، ولخصائص في اللسان العربي لا يناسب المقام سردها والخوض في تفاصيلها.

- وإذا كان القصد هو لفت الانتباه إلى أن حماية اللغة العربية وحفظها والمحافظة عليها في شكلها العربي الأصيل الذي حفظ لها القرآن الكريم أفصح ألفاظه وأبلغ تراكيبه وأساليبه هو واجب ديني تمليه المصلحة الإسلامية قبل المصلحة القومية فإن أول ما ينبغي أن يذكر هنا هو تأكيد القرآن – وهو مصدر الإسلام الأول – على كونه عربياً وتكريره لتلك الحقيقة في غير ما موضع: ففي سور يوسف (الر، تلك آيات الكتاب المبين، إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون). وفي سورة إبراهيم: (وكذلك أنزلناه حكما عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون). وفي سورة الشعراء (نزل به الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين). وفي سورة الزمر: (قرآناً عربياً لقوم يعلمون). وفي سورة الشورى: (وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها). وفي سورة الزخرف: (حم والكتب المبين إنا جعلنا قرءانا عربيا لعلكم تتقون).

فهذا السرد بهذا الكم الهائل وعلى مستوى القرآن يعكس حرصاً واهتماما شديدا بأخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار، وما يلفت الانتباه ويثير بعض التساؤل هنا هو لماذا كل هذا الحرص على إبراز بديهية لا تخفى؟ فالسامع أو القارئ للنص القرآني من غير العرب لا يخفى عليه أنه بغير لسانه، أما العربي فيدرك بداهةً عربية النص دون حاجة إلى التنبيه.

والواقع أن الاهتمام القرآني بالتنبيه على كونه عربياً يرمي – من جملة ما يرمي إليه – إلى تقرير ثلاث حقائق مهمة:

- الحقيقة الأولى: هي الوضوح والبيان والبساطة في معاني القرآن وأسلوبه وتركيبه وهو ما يقطع على العرب – وهم الأمة المعنية أولا بالخطاب – أن يتذرعوا بالغموض أو التعقيد في عدم اتباعهم له، فلو نزل القرآن أعجمياً لخفت عليهم مؤنة الإعراض والصدود عنه بذريعة الغموض وعدم البيان (ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته).

- الحقيقة الثانية: هي التحدي والإعجاز فإذا كان العرب عاجزين – وغيرهم أعجز – عن محاكاة القرآن والإتيان ولو بسورة واحدة مثله وهو مجرد كلام في غاية السهولة والوضوح وبلسان تخاطبهم اليومي فليس أمامهم إلا الاستسلام له، أو الاستمرار في التكذيب من منطلق الإصرار والعناد.

- الحقيقة الثالثة: وهي الألصق بموضوعنا والأهم في سياقه بل هي لب الموضوع وصميمه هي أن القرآن جارٍ في ألفاظه ومعانيه وأسلوبه على ما تعارف عليه العرب في قواعد لغتهم وأسلوب تخاطبهم لا يخرج عن ذلك ولا يسبر غوره ولا يدرك كنهه ولا تستقصى مقاصده ولا تتذوق بلاغته إلا به.

- وهذا المعنى – أي معني التلازم بين القرآن – كأهداف ومضامين – وبين العربية كوسيلة لا تعوض – مندرج بالأولى تحت وصف (عربي) المحمول على القرآن في الأمثلة القرآنية الكثيرة المعروضة آنفا بحكم العلاقة الطبيعية بين أي وصف وموصوفه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير