تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[بين جهل أبنائها وكيد أعدائها]

ـ[أنوار الأمل]ــــــــ[10 - 02 - 2005, 01:16 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

اللغة العربية

[بين جهل أبنائها وكيد أعدائها]

بقلم الشيخ حمزة أبو النصر

من كتيب لغتنا في خطر ـ جمعية حماية اللغة العربية بالشارقة


تواجه اللغة العربية الفصحى في زماننا هذا - وإن كانت البدايات سابقة - خطراً مزدوجاً يماثل في شدة خطورته وتأثيره في الإصابة خنجراً ذا حدين يسدد إليها؛ ذلك الخطر المزدوج يمثل أحدَ جانبيه - أو أحد حديه القاطعين - جهلُ أبناء اللغة العربية بلغتهم، بينما الحد الثاني هو كيد أعداء هذه اللغة العربية الشريفة لها، وسعيهم إلى إضعافها إذا لم يتمكنوا من القضاء عليها لا قدر الله.

ولنا أن نتساءل عن جهل أبناء اللغة العربية الفصحى بلغتهم ما مفهومه؟ وما أسبابه؟ وما مظاهره؟ وما نتائجه وآثاره؟

أما جهل أبناء الفصحى بها - والجهل هو تصور الشيء على غير حقيقته - فمفهومه أنهم رغم تعلمهم هذه اللغة في المدارس، وكتابتهم بها، وتعاملهم بها أحيانا عند الضرورة، فإنهم يجهلون حقيقتها، وأنها كائن حي له بنيته وقوامه المنضبط، وله قوانين حركته، وعلاقاته الصارمة، وله مع ذلك محاسنه وجمالياته، وكل ما قد يتوارد إلى خواطرهم إذا ذكر اسم اللغة العربية هو تلك القواعد النحوية وحدها.

وأما أسباب هذا الجهل فمتعددة منها:

(1) تلك الثنائية أو الازدواجية في اللسان (اللهجات) التي يتواصل بها أبناء العربية فيما بينهم، ويزيد من خطورة تلك الثنائية أن اللهجات أسبق إلى الألسنة والاستعمال (حيث تكتسب منذ الميلاد) من اللغة العربية الفصحى التي يتأخر اكتسابها إلى أولى سنوات التعلم الابتدائي في أغلب الأحوال.

(2) ومنها أن الضرورة الحيوية لا تقتضي استعمال اللغة العربية الفصحى، فلا هي مطلوبة (ضرورية) في العمل ولا في البيت، ولا في الشارع، ولو مضت على الإنسان الشهور أو السنين لم يتكلم بمفردة واحدة فصيحة ما ضره ذلك شيئاٌ، ولا عطلة عن شؤون حياته.

(3) ومنها أن أساليب تعليمها للنشء في المدارس أساليب عقيمة ومنفرة، ويكاد يكون سُوءُ تقديم هذه اللغة إلى الناشئة هو الداء العضال.

(4) ومنها أن سوق العمل (التوظف) لا تطلبها؛ فما رأينا إعلاناٌ عن وظيفة إلا وهو يشترط إجادة لغة أجنبية تحدثاٌ وكتابة مع الإلمام أو الإتقان للحاسوب (الكمبيوتر)، وما رأينا مرة واحدة في إعلان اشتراط إجادة اللغة العربية.

(5) ومنها أن أجهزة الإعلام، (وهي التي تخاطب جميع الفئات العمرية بما يجذب ويستهوي من المواد) لا تستخدم اللغة العربية، وأية متابعة يسيرة لتلك البرامج في أجهزة الإعلام سوف تغمر أسماعنا بلهجات من جميع الأقطار، دون أن نتبين منها مفردة واحدة صحيحة.

وأما مظاهر هذا الجهل باللغة الفصيحة فمتعددة كذلك:

(1) منها ذلك النفور الدائم من التحدث باللغة العربية الفصحى، نفياٌ - في زعم النافرين من التحدث بها - لصفة الجمود والرجعية والارتباط بالماضي.

(2) ومنها الحرص الشديد - في مقابل النفور من الحديث بالفصحى - على إتقان اللغات الأجنبية، والتحدث بها، والتباهي بذلك في المجالس ادعاء للحداثة، وتظاهراٌ بمواكبة العصر.

(3) ومنها الجهل بحقيقة اللغة العربية، فلا تكاد الغالبية من أبنائها إلا من رحم الله - تعرف أن اللغة العربية كائن حي نام، يتكون من مفردات إلى بعضها لتتحمل المقاصد والمعاني، وأساليب تعبير تصل إلى الإفادة من أقرب طريق، كل ذلك يضبطه ما يتعلق بصيغ المفردات وبنيتها (وهو الصرف) وما ينظم العلاقة بين تلك المفردات إذا انضمت إلى بعضها (وهو النحو) وما يكسوها حسناُ وبهاء (وهو البلاغة)، وما كانت اللغة الفصحى وعاء له مما أبدعته قرائح أبنائها في مجالات الفكر الإنساني على تعدد ميادينه، وجرب أن تسأل واحداُ من المتعلمين بالعربية عن تصوره عن هذه اللغة وستسمع عجباُ.

فإذا ما تحدثنا عن آثار ذلك كله ونتائجه وجدنا:

(1) غربة في الفكر، وعجمة في اللسان تنشأ عن إحلال اللغات الأجنبية محل اللغة العربية في العمل الرسمي، والتواصل والتخاطب مع الجهات المختلفة.

(2) وعزلة وانقطاعا عن الماضي الزاهر لهذه الأمة (بما يضمه هذا الماضي من تراث وذخائر تحمل تاريخ تكوينها وتطورها، وارتقاء حضارتها).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير