الإنسان القَبْتاريخي، وآثارٌ قَبْتَاريخيَّة؛ وطريقته هنا هي اختزالُ الظروف، يقول: "وكذلك يمكننا أن ننحت كلمات (خارج، فوق، تحت) على شكل: (خا، فو، تح) ونقول: خامَدْرَسي وفَوْسَوِي وتَحْشُعوري ([27]) " بدل خارج المدرسي وفوق السوي وتحت الشعوري. ويرى ترجمةَ السابقة الفرنسية ( Past) بالظرف (غِبّ) بدل (بَعْد) وبالتالي ترجمةَ ما رُكِّب معها بكلمةٍ منحوتة نحو: (غِبْمَدْرَسي وغِبْجَليدي وغِبُّلُوغ) ([28]). ومن منحوتاته غير الظرفية كلمة (السَّرْمَنَة) لحالة (السَّيْر في المَنَام) ([29]). وقد حاول الحصري أن يضع قواعد للنحت، مستنبطاً ذلك مما ورد عن العرب من نماذجه.
2 - وممن أَجْلَب في الدعوة إلى النحت وأكثرَ من ممارسته الدكتور صلاح الدين الكواكبي، فهو بحكم تخصُّصه في الكيمياء كان أكثرَ تَقَبُّلاً لهذه الظاهرة من غيره، يقول: "فدفَعْتني الحاجةُ الملحة إلى النحت، مثلَما فَعَل الغربيون في مصطلحاتِهم العلمية، لأني وجَدْت فيه حَلاً للمعضلة وتَيْسيراً لاجتياز العَقَبات التي تَعْتَرض المؤلفَ والمترجم، وذلك لمرونةِ وسهولةِ الاشتقاق والوصفِ من الكلمة المنحوتة، وإليكم البرهان في المصطلحات العلمية التي وضَعْتُها نحتاً لما يقابلها من الكلمات الإفرنجية وأكثرها مما أَلِفتْه الأسماع وشاع استعماله في البيئات العلمية:
خَلْمَهة: تحليل خَلِّي من (خلّ وإماهة).
حَمْضَئيل: حامض كحول، من (حمض ومائيل).
حَمْضَئيد: حامض أَلدْهَيد، من (حمض وغوليد).
حَمْضَلون: حامض خَلوُّن، (من حمض وخَلُّون).
غَوْسَل: من (غول وعسل)، واشتق منها (مُغَوْسَل) ([30]).
ثم يعرض الكواكبي في الجزأين 3 و4 من المجلد (39) لمجلةِ مجمع دمشق (107) مئةً وسبعة مصطلحاتٍ كيماوية منحوتة على هذه الشاكلة.
3 - أما عبد الله أمين فيرى أن الكلمة المنحوتة التي توفَّرت فيها شروطُ النحت "هي عربيةٌ على القاعدة التي وضعها المازني وتابعه عليها الفارسي ثم ابن جني وهي: (ما قيس على كلام العرب فهو من كلامهم) ([31]) .. ويُضيف أن "الكلمة المنحوتة على نحوٍ من الأنحاء السابقة هي خيرٌ من استعارة كلمة أعجمية بمعناها ..
لأنها وإن لم توضَع وضعاً لغَوياً أصيلاً، فإنها قد وُضِعت على أسسٍ عربية .. ([32]). وتطبيقاً لقواعده في النحت فقد اقترح لبعض المركبات الإضافية أربعَ كلمات ليُصار إلى ترجيحِ بعضها، فاقترح:
لِفَحْم السكر: فَحْمَس وفَسْكَر وفَحْسك وفَحْكَر.
ولقلم الحبر: قَلْمَح وقمْبَر وقلْحَب وقَلْبَر.
ولِسمُ الفَأْر: سَمْفَر وسَفْأَروسَمْأَر وسَمَّف.
ثم عرض بعضَ منحوتات مجلة مجمع القاهرة في علم الكيمياء نحو؛ كَبَنْحَس لكبريتور النحاس، وأَزْأَكْفَض لآزوتات الفضة. ([33]).
4 - ومِمَّن مارس النحت في المصطلحات العلمية لجانُ مجمعِ القاهرة ومن منحوتاتها: (رباط خلْفمَامي) ([34]) نحتاً من خلْفي وأَمامي، وقالت عن المحاريات: (بُلْطَقَدَميَّات) وعن الوَدَعيَّات: (بَطنَقَدميَّات) وعن رأسيات القدم (رسْقَدميَّات). وإن كان مؤتمرُ المجمع قد ردَّ هذه المنحوتات عندما عرضتْها عليه اللجنة المختصة. ([35]). ومن منحوتات المجمع (شِبْقِلي) من شبْه قِلْي و (حَلْمأ) من حَلَّل الماءَ، و (فَحْمَائيات) من فَحْم وماء تعبيراً عن ( carbohydrates)([36]).
5- وقد أفاد من النحت مصنِّفو معجم الرياضيات المعاصرة، فنَحتُوا (تَدَاكُل) من تشَاكُل داخلي، ونَحَتوا لمصطلحِ (إيزومورفزم): (تَماكُل) ولمصطلح (أوتومورفيزم): (تَذَاكُل)، ولمصطلح (هيومورفزم): (تَصَاكُل).
وعقَّبوا على منحوتاتهم بقولهم: "ونكون بذلك قد جرينا مع الزملاء في قسم الكيمياء في جامعة دمشق حيث اختاروا كلمة (تَمَاكُل) المصطلح (ايزومورفزم) .. ([37])
6 - وممَّن بحث أو كتب مؤيداً استخدامَ النحت جرجي زيدان في كتابه (الفلسفة اللغوية والألفاظ العربية)، وهو يذهب إلى وقوع النحت في الأفعال والأدوات أيضاً. ومنهم محمود شكري الآلوسي في كتابه (بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب). وعبد القادر المغربي في كتابه (الاشتقاق والتعريب). ومصطفى صادق الرافعي في كتابه (تاريخ آداب العرب) .. و د. رمسيس جرجس فيما كتَبَه في الجزء /13/ من مجلة مجمع القاهرة عام 1961. والدكتور أحمد عيسى في كتابه (التهذيب في التعريب) ([38]).
¥