[الصائغ والجان والجنة (قصة قصيرة)]
ـ[صناجة الورد]ــــــــ[13 - 08 - 2002, 04:48 ص]ـ
[الصائغ والجان والجنة (قصة قصيرة)]
(قصة سمعتها منذ زمن فصغتها بأسلوبي شاركت بها في عدد من المنتديات، أتمنىأن تحوز على رضاكم)
في قلب العراق القديم في بغداده النابض بالحياة نسجت هذه القصة أحداثها بين عشية وضحاها.
فكعادته كل صباح ومع انبثاق ساعات الفجرالأولى اعتاد المعلم
(حسين) الجواهرجي على النهوض من نومه والاتجاه صوب عمله القريب من سكنه حيث يقبع دكانه الصغير الذي يبيع فيه الحلي والجواهر ويقوم بإصلاح ما كُسر منها ولا يفارق عمله إلا مع حلول الظلام.
في صباح يوم من أيام الشتاء القارس وبينما المعلم حسين يقبع على كرسية المعدني المغطى بقطعة من القماش في دكانه منتظرا رزقه المكتوب إذ برجل مسن يدخل الدكان، سنه إلى الخمسين أقرب، ذو لحية سوداء وشارب كث في يده سبحة طويلة تتدلى على صدره، يكسو محياه هالة من وقار.
أعطى الشيخ المعلم حسين أسوارةَ ذهبية طالباً منه إصلاحها , شرع المعلم حسين في عمله بعد أن طلب من الشيخ القعود على الكرسي ريثما يفرغ من عمله المناط به.
لم يكد يمضي من الوقت عشر دقائق بعد شروع المعلم حسين في عمله حتى دخلت امرأة الدكان تحمل في يدها عقداً مكسوراً طالبة من المعلم إصلاحه، فابتسم المعلم في وجهها وبش ثم قال لها:
عفواً سيدتي فقط انتظري ربع ساعة حتى انتهي من إصلاح إسوارة هذا الرجل ــ و أشار بيده صوب الشيخ الجالس ــ.
علت الدهشة وجه المرأة وهي تحدثه:
أي رجل تقصد!!!
فقال لها: هذا الرجل المسن الذي يقعد على الكرسي إلى يمينك.
اتسعت حدقتا عين المرأة وهي تردد: لا شك أنك مجنون!!! ثم خرجت وهي تحوقل (لا حول ولا قوة إلا بالله).
لم يكترث المعلم حسين لخروج المرأة، فانهمك في شغله محاولا إنجازه.
وبعد برهة قصيرة بعد تلك المحادثة دلف إلى المحل رجلٌ يصحب معه امرأة،فأخذا ينظران ويتأملان الحلي والجواهر يودان المعاينة والشراء فوقعا اختيارهما على عقدٍ ماسي فأشارا على المعلم حسين أن يريهما إياه، فقال لهما المعلم حسين:
انتظرا حتى أخدم هذا الرجل فقد أتى قبلكما.
نظر الرجل والمرأة لبعضهما في استغراب متسائلين عن ذلك الرجل المزعوم. فقال المعلم:
هذا القاعد إلى يمينكما.
نظر الرجل إلى المرأة وقال لها: أظن هذا الجواهرجي لا يريد أن يبيعنا فهو يشير إلى شيء غير موجود، هيا بنا إلى صائغ آخر.
بدا القلق والخوف والشك يساور المعلم حسين وهو يصعّد النظر في وجه هذا الشيخ المسن، وذلك قبل أن يضع اللمسات الأخيرة على تلك الأسوارة. لم يشطح به الخيال بعيدا إذ سرعان ما دخل الدكان شاب في الثلاثين من عمره راغباً في إصلاح
عقدٍ يحمله وهو في عجلةٍ من أمره، فطلب منه المعلم حسين كما طلب من السابقين الانتظار لدقائق حتى ينهي ما في يده من عمل لذلك الشيخ , تبرم الشاب قائلا:
أي رجلٍ تتحدث عنه أني لا أرى في هذا الدكان غيري وغيرك!!!. فانطلق المعلم يتحدث بعد أن هب واقفا على قدميه:
هذا الذي أمامك.!!
أخذ الشاب يصفق كفاً في كف وهو لا يشك في جنون الصائغ لحظة واحدة، وأدار ظهره للمعلم حسين باحثا عن صائغ آخر.
عند ذلك فزع المعلم حسين فزعا عظيما وأحس أنه في مأزق لا يحسد عليه وهو يقلب نظره في وجه الشيخ (الصامت مذ دخوله المحل)، فأيقن المعلم أن الذي أمامه ليس من البشر، فبدأ يجمع قواه التي خارت ورباطة جأشه التي انهارت لمجرد التفكير أن الذي أمامه جان أو عفريت فقال:
بالله عليك من أنت!!؟ هل أنت من الجان؟؟!!
ابتسم الشيخ وهو يردد: لا تخف يا بني فمثلك لا يروّع. أنا لست جاناً، أنا من البشر ولكنني رجل صالح من أولياء الله الصالحين و لا أحد يراني الأ الأخيار مثلك.
ذهب روع المعلم حسين وهو يستمع لهذا الصوت الوقور الهاديء وسر سرورا عظيما عندما أخبره أنه من الأخيار.
التفت الشيخ إلى المعلم حسين وقال له:
اطلب يا بني ما تشاء وسألبيه لك في الحال.
قال المعلم: جزيت خيرا يا شيخ لا أريد إلا شيئاً واحداً .. واحداً فقط ... أريد أن أرى الجنة!!!
قال له الشيخ: طلبك مجاب يا بني. ثم أخرج من جيبه منديلا ناصع البياض وقال للمعلم حسين:
شم هذا المنديل يا بني وسترى في لحظات الجنة عياناً.
لم يصدق المعلم خبراً فأخذ يشم المنديل بلهفة المشتاق إلى الجنة .....
بضع ساعات قضاها المعلم حسين في سبات عميق استيقظ بعدها ليجد دكانه خالي الوفاض .. يصفر من كل شيء.
فقد اكتشف بعد قوات الأوان أن الأمر مدبر بين جميع من دخل الدكان لسرقته بعد غشه وخداعه وقد نجحوا ,, ولم يبقَ للمعلم حسين سوى ذلك المنديل ليشتمه كلما تذكر تلك الحادثة العجيبة .....
ـ[حروف]ــــــــ[13 - 08 - 2002, 10:56 ص]ـ
جزاك الله خيراً ..
على هذه المشاركة الرااائعة ..
وتقبل تحياتي ..