تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

~*~ أمّاه .. فقط عودي ~*~

ـ[القلم الإسلامي]ــــــــ[08 - 09 - 2002, 09:23 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

فتحت عينيها المترهلّتين .. نظرت إلى الساعة .. (يا إلهي .. إنها السابعة صباحاً .. لقد تأخرت عن إعداد الفطور لابني أحمد .. )

مشت بضع خطواتٍ برجليها اللتين أنهكهما طولُ العمر .. أحسّت بشيءٍ غريبٍ فيهما .. ظهرها زاد انحناء .. رجليها أثقلُ مما ينبغي .. رأسها يدورُ مثل المطحنة .. لكن .. لا بأس، لا بدّ أن تتحاملَ عل نفسها لتعدّ الفطور لفلذةِ كبدها ..

ما إن تعدّى عدد خطواتها الثلاث .. حتى تسارعت دقّات قلبها، وعلا صوت زفيرها، وكادت أن تهوى على الأرض ..

(مستحيل .. لم يعد الأمر طبيعياً .. لابدّ أن أخبر أحمد .. ) تمتمت بهذه الكلمات .. ثم ارتفع صوتها المرتجف ينادي:

- أحمد .. أحمد .. أين أنت يا أحمد؟!!

بعد هنيهة .. دخل الغرفةَ وهو مكشّرٌ عن أنيابه .. !!

- نعم .. منذ متى كنتِ أنتِ التي تُنادي وأنا الذي أجيب؟!!

- بنيّ .. آسفة .. ولكني متعبة جداً .. أرجوك .. اذهب بي إلى المشفى .. فأنا لا أقوى حتى على السير ..

- لا ..

رمى بهذه الكلمةِ أمه ثم تابع ..

- ألم أخبركِ بأنني وعدت أصدقائي في الذهاب إلى البحر؟!

- بنيّ .. أرجوك .. أنا أمّك ..

ثم .. لم تعد تسمعُ بعدها سوى الصوت المدوّي لإغلاقِ الباب، وصدى أنّاتها يتردّدُ في أنحاءِ البيت ..

*****

بعد مضيّ خمس ساعاتٍ من الألم والأوجاعِ بالنسبة للأم، والمرح واللهو بالنسبةِ لأحمد .. عادَ أخيراً ..

- الغدااااء .. ما هذا؟!! .. ألم تجهّزي شيئاً حتى الآن؟!!

- ولدي .. حاولتُ أن أعدَّ لك شيئاً مراراً .. ولكنني لم أستطع ..

- ماذا؟!!

- صدّقني .. المرضُ يلتهم جسدي التهاماً ..

- لستِ صبيةً لتتوهّمي .. هيّا قومي ..

- يا حبيبي .. يا فلذةَ كبدي .. أنا أمّكَ فارحمني ..

-إن لم تقومي فسأرغمكِ بلطمةٍ تشجّ وجهك ..

- أرجوك .. سأموت .. أريد ماءً .. أريـ ....

قاطعها بشكلٍ مختلفٍ هذه المرة، لقد رفع يده في وجهها .. لقد .. لقد ضربها حقاً .. ولكن .. كانت النتيجةُ مؤلمةٌ .. مؤلمةٌ جداً .. لقد ماتت .. !

كانت هذه النهاية المفزعة نقطةُ تحولٍ بالنسبةِ لأحمد، فلم يعد ضميرهُ يحتمل السكوت .. لقد صحا .. لقد تكلّم ..

أمّاه .. يالله .. كم هي جميلةٌ هذه الكلمة ..

نَطَقها مراراً وتَكراراً أمام جثّةٍ أمه الهامدة ..

أمّاه .. هل مِتّي؟! .. مستحيل .. كيف تموتين وأنت غاضبةٌ عني؟!

أمّاه .. أريدكِ .. لكن .. صدقيني .. لن أرفضَ أوامركِ إن عدتِ ..

لن أصرخَ في وجهكِ الحنون إن عدتِ ..

لن أضربكِ إن عدتِ ..

أمّاه .. كنتِ طوال حياتكِ تحبّينني .. فهل ترضين الآن أن تعذّبينني؟!!

أمّاه .. سأموتُ عذاباً إن لم ترضي عني ..

أمّاه .. فقط عودي، وسألبّي لكِ جميع ما تطلبين ..

أمّاه .. فقط عودي .. وسأخدمكِ بعينيّ هاتين ..

أمّاه .. فقط عودي .. وسأريحكِ من آلامكِ التي سبّبتها لكِ ..

أمّاه .. فقط .. عودي ..

وأخيراً .. تاب خالد، ولأول مرةٍ في حياته .. توجّه إلى القبلة، ورفعَ يديه إلى أعلى، وارتجفَ صوته وهو يكبّر ويهلّل، ولأوّلِ مرةٍ في حياته أيضاً .. دخلَ في صلاةٍ خاشعة ..

6/ 2/2001م

تحياتي: صاحبة القلم الإسلامي،،

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير