تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَبَرَات الفراق!

ـ[شادي السيد أحمد]ــــــــ[27 - 12 - 2002, 03:01 ص]ـ

عَبَرات الفراق

عشقتُها - مثل ملايين الشباب في أنحاء العالم - من مجرّد صورة لها كنتُ قد رأيتها يوماً في التلفاز.

كنتُ أسترق السمع لحديث الناس عنها، وعن حُسنها وبهائها .. تمنيتُ أن أجمع كل صورها وأخبارها، ولطالما غرقتُ في أحلامي - أثناء نومي ومحياي - في شكلها، ووصفها، وجمالها .. رغم علمي أنّ هناك مَن يشاركني في هذه الأحلام! المهم هي: مَن تحب؟!

كان التفكير في معانقة الثريا، والمشي على سطح القمر أقرب إلى الخيال، وأهون الآمال من مجرد رؤيتها على الحقيقة، بَلْهَ الجلوس إلى جوارها!! وأنَّى لي ذلك، وبُعد الشُقّة، وطول السفر، وأنا شاب فقير حقير لا يملك من متاع الدنيا شيئاً سوى قراطيسه وأقلامه، وثيابه التي يذهب بها إلى الجامعة؟!

وكنت أسألُ نفسي بحسرة: لماذا لم أُولد غنيّاً حتى أستطيع السفر إليها؟! لماذا لم أكن في البلد التي هي فيها؟! هكذا كانت تحدّثني نفسي الأمّارة بالسوء.

لم يكن يفصل بيني وبينها سوى ألف كيلٍ من الأمتار .. بَيْد أنّ الوصول إليها كان صعب المنال .. يا تُرى: كم سأستغرق في الطريق إن ذهبتُ إليها مشياً بالنعال، أو على ظهور الجِمال، أو زحفاً على الحِبال؟!!

وَيْحَك!! هل تظنّ نفسك في غابر الزمان في عهد الرجال؟! ومَن سيسمح بتحقيق هذه الآمال؟! هذا - لعمري - عين الخَبال! اللهمّ لا اعتراض على حُكمك وقضائك ... ، كنتُ أدعو ربّي في صلاتي أن أحيا حتى أراها، وأن يجعل منيّتي في أرضها! فما فارقتْ صورتُها يوماً خيالي، وما فتئتْ أناملُ طيف ذِكرها تداعب أحناء صدري، وأمشاج قلبي .... حتى كان هذا اليوم: يوم أن أعلن اتحاد طلاب (جامعة القاهرة) عن رحلة في إجازة نصف العام إلى هناك ... ! إلى حيث تهفو روحي، وتسكن نفسي .. إلى بلد (حبيبتي)!

لم أصدّق نفسي .. صحتُ بين الطلاب وَسْط ذهولهم وَغَمَزَاتهم .. ، طرتُ في الهواء فرحاً، وتراقصتْ نطفُ قلبي طرباً، وهرعتُ إلى رئيس (الاتحاد) أصافحه وأعانقه، وأرحبّ به ترحيب العشّاق بيوم التلاق، بعد طول الفراق! وبينما أنا أُحلّق في فضاء السعادة، وأُلامس النجوم من شدّة الفرح؛ إذ تذكّرتُ حقيقة مُرّة نسيتُها في غمرة سعادتي .. ؛ وهي أنني لا أملك تكاليف الرحلة رغم قلّتها! فكنتُ - كما قال الشاعر: -

كجلمود صخرٍ حطّه السيلُ من علٍ ..............

وهبطتُ من عَنان سماء الأفراح، إلى أعمق أعماق وادي الأتراح! ولا أدري لماذا تذكرتُ وقتها حال أولئك النّفر الكرام، الذين اشتاقوا إلى الجهاد، وصحبة سيد العباد - في غزوة تبوك -؛ فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما حكى القرآن الكريم: ((قلتَ لا أجد ما أحملكم عليه تولّوا وأعينهم تفيض من الدمع حَزَناً ألا يجدوا ما ينفقون)).

أَبَعدَ أن دنا الأمل في رؤية (محبوبتي)، وأصبح قريب المنال، يضيع كل شيء بسبب المال؟!! فلا والله ما عشتُ متى حال المال بيني وبين مَن أهواها، وأَحنّ مِن طَرَبٍ إلى لُقياها!

وبعد جُهدِ جهيد، وسعي شديد، وذلّ دَيْنِ أحاط بالوريد .. قدّمتُ لأكون مع هذا الرّكْب السعيد إلى بلد (الحبيب)، وصرتُ كأسعد مولودٍ جديد!

خمسون ساعة كاملة قضيناها في عرض البحر على ظهر الفُلك في رحلتنا، رأينا فيها من عجائب خلق الله - تعالى - ما تعجز عن وصفه لغات الدنيا.

خمسون ساعة مرّتْ عليّ كخمسين سنة، وكنتُ كمَن ينتظر الموج كي يرى حبيبته .. وهل للموج نهاية؟! وكلّما جرت بنا السفين كلّما زادت لهفتي لرؤيتها؛ كلهفة مَن جَفّ حلقُه حتى صار كفلاة قفر من شدة العطش، ثم جاءوا يسقونه من سَمّ الخياط!

أخيراً وصلتُ بلد (حبيبتي) ... ثم ....... رأيتها .............. ، لم أرها بعينيّ؛ بل بكل مُزعة لحم في جسدي، وبكل قطرة دم تنساب في عروقي ...... هل صحيح ما أراه وما أحسّ به؟! هل أنا في عالم الأحياء أشعر كشعورهم، أو أنني في عالم الأوهام والأحلام؟! قولوا لي يا أيها الناس! يا زملائي! يا أساتيذي!: أأنا حيّ مثلكم، أم أنني قد مِتّ قبلكم؟! اضربوني ...... مزّقوني ...... لكن قولوا لي: إنّ ما تراه حقيقة ... بل هو عين اليقين!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير