[خصوصية إبداع المرأة]
ـ[المستعار]ــــــــ[23 - 07 - 2002, 03:13 م]ـ
تصرُّ بعض الأديبات على أنّ أدب المرأة لا يختلف عن أدب الرجل، وقد حاولت إقناع نفسي بهذه الفكرة، لكنني كلَّما أوغلت في قراءة أدب المرأة ازددت قناعة بأنّ الأدب الذي تكتبه المرأة يختلف عن أدب الرجل بدرجات. وهذا التمييز لايعني بالطبع أنّ الرجل يكتب أدباً أفضل من المرأة، وإنَّما هو تمييز تحكمه طبيعة كل جنس وخصائصه، كأن تقول: هذه برتقالة وتلك تفاحة، ولايمكن للتفاحة أن تتحوّل في مذاقها وخصائصها إلى برتقالة، وهكذا الفرق بين الرجل والمرأة.
نقص لا يكتمل
وهذا الاختلاف في الجنس بين الرجل والمرأة يترك بلا شك أثره على نتاج كل منهما. والحقيقة أنّ نتاج كل أديب ـ رجلاً كان أو امرأة ـ يخضع أساساً لعدد من العوامل النفسية والاجتماعية والخلقية وغيرها من العوامل التي نستضيء بها عند دراسة أدب الأديب، بشكل يجعل أدب كل فرد يختلف عن نتاج الآخرين من بني جنسه، وتبدو هذه الفكرة أكثر وضوحاً في أدب الجنسين، ولايوجد اليوم عاقل على قدر من الوعي والعلم ينكر أنّ الله قد ميّز المرأة بتكوين حيوي ونفسي ووجداني يختلف عن الرجل، وهذه حقيقة علمية على الأقل، لضمان استمرار الحياة في هذا الكون؛ لكي يؤدي كل منهما دوراً مكملاً للآخر.
أما إذا تساوت الأدوار فسيظل هناك نقص لن يكتمل. ومن هنا نجد أنّ اختلاف المرأة في تكوينها ووجدانها ونظرتها إلى الحياة ينعكس حتماً على أدبها بأساليب مختلفة ونسب متفاوتة من امرأة إلى أخرى، لكن الخصائص العامة للنتاج الأدبي تقول في النهاية: إنّه نتاج امرأة وليس نتاج رجل. فعاطفة الأمومة وخصائص الأنوثة عند المرأة القاصة أوالشاعرة تجعل انفعالها بحدث معين واستجابتها الفنية له تختلف بلا شك عن انفعال الرجل القاص أو الشاعر واستجابته للحدث. ولاعبرة بالشواذ وبالحالات التي تزيد فيها "مورثات" الذكورة عند بعض النساء أو تزيد فيها "مورثات" الأنوثة عند بعض الرجال.
سِمة المرأة
وباختصار فإنّ لكل من الرجل والمرأة دوراً يؤديه مكملاً لدور الآخر، فإذا تشبّه أحد الطرفين بالآخر اختلطت الأمور وفقدت الأشياء روائحها الطبيعية ومذاقها الفطري. فعندما تكتب المرأة أدباً فإنَّني أجد فيه سِمة المرأة تصوراً وخيالاً وعاطفة وحتى أسلوباً، وتبرز هذه النكهة أكثر ما تبرز في الأعمال الإبداعية مثل الشعر والقصة، وتختفي في الأعمال العقلية والموضوعية التي يُظنُّ فيها تساوى الرجل والمرأة في المنطق والقياس والأحكام ـ إلى حد كبير ـ وهو ما يحدث عادة في الدراسات والأبحاث، وخير مثال على ذلك مؤلفات الدكتورة عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ).
وليس عيباً ولا انتقاصاً في حق المرأة حين نفرّق بين أدب المرأة وأدب الرجل، إذ إنَّ لكل منهما خصائص تختلف عن الآخر، وخاصة في مجال الإبداع الذي يقوم أساساً على العاطفة والوجدان والخيال والتجربة الشعورية.
الشعور بالنقص:
لذلك فإنّه لامفر من القول بأنَّ رفض بعض الأديبات لمصطلح "أدب المرأة" هو نتيجة شعور بالنقص وإدعاء زائف وخروج على الفطرة، وهو في لغة علم النفس حيلة لا شعورية لإقناع الذات بالمساواة مع الرجل؛ لأنّه قد تشكّلت لديهن عقدة من أنّ أي فارق يميّز الرجل عنهن نقص في المرأة لابد أن يكتمل بالتشبه به. وهذا لعمري عين الإساءة لجنس المرأة التي أكرمها الله بصفات وخصّها بميزات لا تتوفّر في الرجل.
إنّ كمال المرأة في صيانة ذاتها والمحافظة على خصائصها كأنثى، وليس في شعورها بأنّ هذه الخصائص عيب فيها أو نقص في حقّها، وأعتقد أنّ المرأة التي تعي هذه الحقيقة لن تشعر بالنقص إطلاقاً عند الكلام عن مميزات كلا الجنسين، ولن تشعر بأنّ مصطلح "أدب المرأة" يعني الانتقاص من قدرتها على الإبداع والكتابة وربَّما التفوق على الرجل في كثير من المجالات.
ولقد قرأت إبداعاً لأديبات كثيرات وكنت أتأمل في هذه الكتابات سواء كانت قصصاً أو شعراً أو وجدانيات وأقول: ترى لو أنا كتبت هذه الفكرة فهل ستكون بهذا الشكل؟ وفي معظم الأحوال أقول: لا. وكنت أحياناً أسأل نفسي ـ خصوصاً بعد الفراغ من قراءة الشعر الذي تكتبه المرأة ـ: ترى لو حذفنا اسم الشاعرة من غلاف الديوان: هل يمكن أن يُنسب هذا الشعر إلى رجل؟ وفي معظم الأحوال ـ وهذا الوضع الطبيعي ـ أقول: لا. لابدّ أن يكون كاتب هذا الديوان امرأة لا رجلاً، فالعاطفة والوجدان والخيال هنا كلَّها عاطفة ووجدان وخيال أنثى لا محالة، وإن كان غير ذلك فهو كذب أو افتعال. وليس في هذا عيب ولا نقص، بل هي الطبيعة والفطرة التي فطر الله المرأة والرجل عليها، وجعل كلاً منهما مميزاً عن الآخر ليكمل زينة الحياة، ويعطيها جمالها الحق.
وهكذا طالما كان للمرأة وجود مستقل في هذه الحياة بخصائصها وطبيعة تكوينها، فلابد أن يكون لها وجود مستقل في الأدب تنعكس فيه هذه الخصائص ويقدّم رؤية أخرى جديدة للواقع متميزة في الحياة غير رؤية الرجل.
¥