[على مشارف العام الدراسي الجديد]
ـ[حروف]ــــــــ[27 - 09 - 2002, 12:24 م]ـ
** على مشارف العام الدراسي الجديد **
هنا أقف وحيدا حائرا، واضعاً رأسي المثقل على كفي الكليلة، ناظراً في غابر الأيام ومتأملاً في مستقبلها، أقف وحيداً فوق أرتال السنوات أتعجب منها .. كيف ذهبت متسربة بين الصعاب والشدائد، مولية في قرارة الزمن طاوية الأحزان والأفراح، وما حققناه وما لم نحققه، وتركتنا مع أنفسنا نعاتبها ساعة ونمدحها أخرى، بين دمعة وابتسامة وفرح وحزن ولدت لنا آمال كبيرة وتوفيت لنا مطامح عظام ونحن كما نحن، أمل يعقبه أمل ..
كلنا نلهث وراء النفس ومتطلباتها حتى إذا حققنا جزءاً من هذه المتطلبات رجعنا إلى حالة فارغة من المعاني وهذا ناتج من تفاهة النفس لأن ما نملكه نفقده وما نحصل عليه يذهب سريعا من بين أيادينا وما غمرنا به نفوسنا .. وعقولنا يمضي كما يمضي الطيف: عانق نفسا ثم ولى ولم يتبق غير ذكراه، نحلم بالغنى فإذا أصبنا منه شيئاً فقدنا اللذة به، وهل الحياة إلا الشعور باللذة واللذة لا تبقى إلا لأجل الله وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول أرحنا بالصلاة يا بلال، أرحنا بها إنها للذة الغامرة يبقى طعمها في النفس خالدا متصلا بالأجيال والأزمان، لذة يدركها من قال: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السعادة لجادلونا عليها بالسيوف، سبحان الله السيوف يقتطعون بها الأموال والأراضين و الأنفس، أما اللذة فهيهات أن ينتزعوها من نفوس المخبتين، وهل يستطيعون أن ينزعوا النجوم من قبة الفلك؟ وهل يستطيعون أن يسلخوا جلدة النهار أو أديم الليل؟ ..
اللذة الحقيقية تزيد بمعانيها إن كانت لوجه الله وهي وهم ينقص من جهات ليزيد في جهات كالسراب يلهث ورائه العطشان حتى إذا جاءه لم يجده شيئا وأبصره في مكان آخر وهكذا حتى يقع العطشان صريعا تتخطفه الطير وتتقوت لحمه هوام الأرض ..
هنا أقف وحيدا أرقب العام الجديد يأتي متثاقلا يجر خطاه، مشي المقيد كارها أن يحل بيننا ليحصي علينا مآسينا وآلامنا وقهرنا وذلنا، فآلامنا واحدة منذ أكثر من ستين سنة تتجدد بصور ذات ألوان صارخة وثياب تكشف مقدار الألم وتسلط الضوء على حجم المعاناة ..
وأرقب العام المنصرم يلملم ما تبقى من حاجياته ويهم مسرعا بالرحيل حامدا الله على أن وهبه الحرية و الانعتاق من دنيا العبيد الأذلاء .. لقد شاهد أياما من المر وساعات من الذل و دقائق من الاستعباد، لو مرت بأمة لأحرقت الأرض ودمرت الجبال وملأت البحار رجالا لا يعرفون الضيم والقهر حتى تسترد كرامتها و عنفوانها ومكانتها، غير أن أمتنا تعيش بين اضطهاد الحكام وقمع برابرة الغرب وضعف أبنائها واستكانتهم، فماذا يريد منا العام القادم؟ ولماذا يجلس بين يدينا العام المنصرم؟ ...
لقد تغير كل شيء حولنا وبقيت نفوسنا كما هي تلفها المصائب وتحدق بها الصعاب وتقطعها الذئاب .. حزينة كسيرة خانعة خاضعة، مرت بنا حادثة أفغانستان فرجّت العالم، وغيرت الأفكار، وقلبت الموازين، وقسمت العالم، وأخرجت كمائن النفوس، وبقينا نحن نستغفر مرة ونكذّب الأخبار أخرى، ونتفلسف والنار آخذة بأطراف أثوابنا والصالحون يجأرون بالدعاء تارة وبالكلمات الصادقة تارة ولكن إلى صحراء العدم ..
ثم اشتدت الأزمة الفلسطينية وكأنما فتح عليها باب من جهنم، فسالت أودية من دماء الشهداء الأبرار، وثُكلت أمهات، وتأيمت فتيات، وتأتمت أطفال، لا يعرفون معنى الحروف ولا نطقها، واستكلب اليهود، وثاروا وماجوا وقذفوا بما يملكون في وجه الحق، وأوقدوها نارا كنار الأخدود، تأكل كل صالح يعبد الله ...
يا الهي .. إلى متى وأمتي تسير في غيها وتقتحم الأهوال ولا تبصر وتلفها العجائب ولا تتيقظ ويسخر بها الأعداء فتبتسم ابتسام الأبله وتؤخذ حقوقها فتكتفي بالكلام ....
يا الهي .. أعداء أمتي متّحِدون، وإن اختلفت شاراتهم، وتعددت لغاتهم، وتباينت مناهجهم في الحياة، وأبناء أمتنا متناحرون، لا يبيتون على سكينة أو رضا، ملئت قلوبهم ـ إلا من رحم الله ـ حقدا ونفوسهم حسدا وعيونهم معايب ومثالب، فهم أشتات، نظنها مجتمعة، وأحزاب نعتقدها أمة.
¥