تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[أدب الأندلس العربي .. متحرك كحركة الأرض!]

ـ[حروف]ــــــــ[03 - 09 - 2002, 04:53 ص]ـ

أدب الأندلس العربي .. متحرك كحركة الأرض!!

(الشبكة الإسلامية) د. عبد الله ثقفان *

كانت (الأندلس) تمثل اللقاء بين الشرق والغرب، وهو لقاء تم فيه تعايش وتمازج العديد من العناصر والأجناس بين عرب وبربر وإسبان وصقالبة ومسيحيين ويهود، إنه لقاء نشأ عن تأثير متبادل في الأخلاق والأذواق والعادات مما أوجد حضارة لها طابع خاص، لكن مادتها عربية، ولسانها عربي، فهي حضارة عربية خالصة لم تكن كتلك الحضارات التي نشأت في مصر أو سورية أو العراق أو فارس، ففي الأندلس لم تواجه الحضارة العربية حضارة أخرى تصمد أمامها، ومن هنا لم يجد العرب شيئاً يستحق العناية ليترجم أو يقلد ومن ثم يقدّم.

إن الحضارة العربية الأندلسية لم تكن قد بنيت على أساس غير عربي كالفارسي أو الإغريقي أو غيرهما، ومن هنا نجد أن الأجناس الأخرى غير العربية في الأندلس قد انبهرت أمام ما وفد إليهم من المشرق مع الفاتحين، ليس في دينهم ولغتهم حسب، بل إن أولئك الوافدين قد نقلوا معهم ما عايشوه في صحرائهم من علاقات تتسم بالمنافسة والعصبية، فكانت تلك المنافسة صورة لأصل سابق كان في الجزيرة من قبل، وهي منافسة كانت دافعاً لوجود صورة لأدب قد كان من قبل، مما أدى إلى ظهور (أدب مشرقي) على تراب الأرض الجديدة (الأندلس).

إن الأدب الذي ظهر على تراب الأرض الأندلسية في البداية هو (أدب مشرقي بحت) تغنى به الوافدون، متخذين منه وسيلة للتعبير عن الحنين والشوق، أو الوقوف مع أو ضد البعض، بينما أهل البلاد من أعاجم وغيرهم قد انشغلوا بتعلم العربية، فهي لغة القرآن، وهي اللغة التي بها يعرفون دينهم، وما يتوجب عليهم.

مرت السنون، فكان تمازج العناصر التي تشكل منها المجتمع الأندلسي قد أدى إلى ظهور نبتة جديدة تمثل جيلاً نشأ على تراب الأرض الأندلسية، وتثقف بالحضارة العربية بعد أن قعد مقاعد الدرس والتحصيل.

ولأن تلك حال الأندلس، في بدايتها، فإن الأدب الذي تشكل فيها قبل (207هـ) هو أدب لم ينشأ من فراغ، بل نشأ عن حاجة فردية واجتماعية، جعلته في بدايته يمثل وجوداً لاحقاً لوجود قبلي ... " لكن تلك التبعية لم تدم طويلاً، فبعد تكوّن الأسباب الداعية لظهور حركة فكرية نشطة في بلاد الأندلس ككثرة العلماء والمكتبات والمتعلمين، بدأ الفكر الأندلسي الاعتماد على الذات، ولكن بطريقة منظمّة عبرت عن عقلية لم تتوقف عند الفكر حسب، بل تعدت ذلك إلى الحياة العامة، فانتظمت الحياة فكراً ومعايشة، الأمر الذي جعل (الأندلس) زينة الدنيا، إذ غمرت الأرض بكل ما تعني الكلمة، فقد كانت (قرطبة) في عهد (عبد الرحمن الناصر) أكبر مدينة في أوروبا، إذ حوت أكثر من ثمان وعشرين ضاحية، فيها العديد من القصور والملاهي والحدائق العامة "حيث يستظل الناس تحت أشجار الزيتون والنخيل والعنب والسرو ... " كما حوت أكثر من مائتي ألف منزل، وستمائة مسجد، وثلاثمائة حمام، وثمانين مدرسة، وسبع عشرة مدرسة عليا، وأكثر من عشرين مكتبة عامة فيها عشرات الآلاف من الكتب، قالت هوتكه: " إذا كان ذلك كله في قرطبة وحدها، فإن هذا لم يكن في المدن الأوروبية، بل إنها لا تملك مدرسة عليا أو مستشفى، كما ندر فيها وجود المكتبات العامة والحمامات، ولم تعرف أوروبا آنذاك الشوارع المرصوفة، بل كانت شوارعها ملأى بالقاذورات والوحل ... " وقالت في موضع آخر: "إنه عندما أضئيت شوارع ألمانيا في بداية القرن 19 الميلادي بمصابيح الغاز وصفت الوضع صحيفة (كولونيا الألمانية) بأنه شر مستطير يهدد الظلام الإلهي، في حين أن شوارع قرطبة كانت مضاءة في القرن العاشر، بمصابيح مثبتة على حيطان المنازل، وفوق ذلك تباشر فيها أعمال النظافة عن طريق عربات القمامة التي تجرها الثيران، أما (باريس)، فقد اتخذت من قرطبة أنموذجاً لها في التنظيم، فرصفت شوارعها بعد مرور أكثر من عشرة قرون على رصف شوارع قرطبة ... ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير