تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يا الهي .. يأتي عام ويذهب آخر، وأمتنا تتقلب على جمر الغضى، نعلم أن فينا أمراض وأوباء، ولكن .. الجهاد فقط يطهرها، ويصفي النفوس من غبشها، ويطهر القلوب من أدرانها، فأقمه يا الهي، أقمه والحاقدون ينظرون من غيظ، ولا يملكون صده أو رده ..

يا الهي إننا أمة كريمة عانقت المجد قرونا طوالا، ونشرت الخير ما أوصلتها خيلها و إبلها، عبرت الحدود والسدود تسربت مع الهواء، وسبحت في خضم التيار، ودخلت المدن من أقطارها، وزلزلت عروش الضالمين .. وسمعت الأرض تكبيراتها قبل أن ترى أشخاصها، ودخل الرعب في قلوب الأعداء قبل أن تدخل السيوف أجوافهم، أمة حاربت بأخلاقها قبل أن تحاربها بقوتها المادية فكان الناس يتسابقون دون خوف أو وجل ..

وما الإسلام؟ حرية وأمن، حرية في الفكر وحرية في النفس وحرية في التعامل، وهو أمن في النفس وأمن في البلد .. ومن أين يأتي الخوف إلى قلوبهم، وذكر الله حارسها، وعظمة الله جنودها، ومن أين يأتي الخوف ديارهم والسكينة تحفها، والملائكة تحرسها، وروح الإسلام، تلبسها الهدوء، و تكسوها بالهيبة ..

أيُ دين ذلك الدين الذي حول الأفكار في كل اتجاه

صهر الأنفس حتى لم تعد تدرك الأنفس شيئا ما عداه

كم أب خاصم في الله ابنه وأخ حارب في الله أخاه

باسمه أمسى يسوس الأرض من يحلب النوق ومن يرعى الشياه

هنا وحدي، أقف أشيع الراحل الكريم، واستقبل الوافد الجليل، وبين هذا وذاك، تبدلت أفكار، وتغيرت عقائد، وذل أعزاء، وعز أذلاء، وتبوب رئيس، وترأس بواب، ولفظت كلمات مهلكات، وسالت دموع غاليات، وأريقت دماء زاكيات، ونحن كما نحن .. شغلنا بالتوافه عن العظائم، نتألم ولا نتحرك .. ونبكي ولا نعمل .. تركنا الجهاد، وسحبنا الذيول، غير أن فينا صفات عربية قد وارتها تراب الحياة، لو استثيرت لبنت مجدا، وشيدت عزا وسحقت رؤوسا، وأنارت أفئدة ..

تتغير الأجرام في أفلاكها، وصفاتنا الغراء لا تتغير، والله لن يثيرها إلا عزيمة لافحة، وهمة عالية، وسيرة راقية وقدوة حكيمة، وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة صحبه الكرام ما يشعل الفتيل ..

آهٍ آه .. إن في القلوب لأمانٍ تتلظى، وان في النفوس لأحاديث تنزا، وكم أحببنا وتلظت جوانبنا من الشوق المبرح، وكم بكينا لفراق من نحب، وكم ذقنا المر لهجران من نعشق ونود، ثم ذهب كل ذلك .. وبقيت لنا أمنية واحدة هي هذه الأمة، كيف ننصرها وكيف نعيش معها لحظة، لحظة نتذوق من خبزها المحروق، و نقتات من زادها المتعفن، نبسم إذا بسمت، ونبكي إذا بكت، ونتأثر إذا حيف عليها وظلمت ..

أيها العام القادم .. لقد نسينا كلمات الحب، ووشوشة القُبَل و اضطراب الخفقات، ودفناها في مقبرة النسيان .. وتغيرت أنفسنا، أصبحنا ولنا أنفس ثابتة قوية جبارة، تتعلق بكمالات الأمور، وتوجهنا بها إلى مقصد واحد .. هو هذه الأمة المعذبة .. لنعيش بها ومعها وفيها، ولو أغضبنا الراكدين، ولو آلمْنا الوادعين، ولو تألب علينا حكامنا وأعداءنا .. وماذا يملكون؟

كيف نخاف أو نرضى بالهوان، ودربنا هي درب الأنبياء، ملئت محنا وأذى، وصدعت الأكباد قبل تصديع الأجساد، ولقد وصف منها طرفا النبي الكريم في أحاديث كثيرة، ووصف القرآن منها طرفا آخر، وبقيت المعاني تتوالد في نفوس الأتباع يستنبطون ويقتبسون ويعتبرون:

هكذا الدرب محنة وبلاء ** وثبات على الأذى ومضاء

هكذا الدرب والصراع قديم ** منذ كان الضياء والظلماء

ربما تشرب السراب عيون ** ظامئات في يديها الماء

ربما تسقط المدامع جمرا ** وتذوب القلوب والأحشاء

أنا هنا وحدي .. أبني قصورا من الآمال، وأهدم ناطحات سحاب من الأوهام.

هنا وحدي .. والدهشة و السكون وقلق الفكر واضطراب القلب .. و وسواس النفس تحف بي، أودع العام المنصرم وأحيي العام المقبل، ناثرا همومي وأحلامي بين يدي إخواني ..

باطل إن تكلمنا عن شهواتنا، وباطل إن بحثنا عن أموالنا، وتركنا أمتنا للرياح والهوج، باطل في باطل إن لهونا بأنفسنا وسخرنا طاقاتنا في غير نفع لأمتنا ..

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير