مدينة الأحلام الصغيرة .. لم تدعيني أشاركك الأحلام ولم أستطع أن أراك كل تلك السنين .. ربما لم ترغبين أن ترين عاشقاً من الصحراء، ربما تنكرت لتاريخك الذي صنعه أولئك القادمون من قلب الجزيرة .. أرواحهم على كفوفهم لبناء بدايتك الأولى .. تأكدي بغداد أننا نعشقك كما عشقك آباؤنا .. تأكدي أن قلوبنا تتفطر ونحن نراك تئنين .. هل تستطيعين بغداد أن تبثينا همومك .. أن تجعلينا نشاركك الأنين ..
فهل حقيقة لا ترغبين
لم تشتاق لأولئك الذين صنعوا بدايتك ..
مدينة الأحلام الصغيرة .. سوف أبحث لك عن عذر ..
فأنت مدينة عربية أسرها القهر ..
أصبح قلبك الدافئ حجر ..
كم حاولت أن أكون هناك .. كيف أصبحت المحاولات أمنيات .. عشرون عاماً من الانتظار .. بغداد لم تنتظريني كي آتي إليك، لم تقدري انشغالاتي ولم تفكري أبداً ان هناك من يتوق لرؤيتك .. لم يعد بمقدورك الالتفات للوراء فقدرك ان تمضين لمصيرك المحتوم بالدمار .. أناديك فقد بح صوتي وتضاءلت حيلتي وصرت عاجزاً كأمتي التي تتركك للانتحار .. تقدمك قرباناً لضعفها .. للانهيار .. فنحن أمة من نعام .. نتفنن دائماً في و ضع رؤوسنا في الرمال .. نرقص على أنغام الموت .. لا نشعر بعار ..
بغداد .. أناديك
إلا تقفين قليلاً كي أراك على طبيعتك الساحرة التي رسمتها لك أحلامي الصغيرة ..
لم أستطع كل تلك السنين أن أبني لك صورة ..
لم أجمع لك ذكرى ..
ولم أراك تتزينين كعروس .. كما تتزين كل المدن
بغداد .. شعرت بك تناديني ..
رغم بعدي .. رغم عقوقي ..
ورغم قلة حيلتي
أتسمحين لي أن أبكي على أسوارك التي وقفت أمام الغزاة ..
أن أسجل موقفاً رفضاً ..
أن أقول .. لا
قاسية تلك القلوب كقلبك وهي تراك تذبحين ولا تبكي .. فلم يعد أمامنا إلا البكاء أو الموت .. ولم يعد لدينا إلا الإعداد لحفل تأبينك .. فقد تعودنا الاحتفال بالموت .. مدينة عربية تلو أخرى .. موت للكرامة .. وإحساس بالعجز يجعلنا نرى في الموت خلاصاً .. ربما هذا ما يجعلنا نحتفل به .. لم يعد بمقدورك بغداد أن تستنهضي أمتك العظيمة التي كانت تأتمر بأمرك يوماً، لم يعد لك ذلك البريق .. انطفأ فيك كل شيء ولم يعد يكترث بك أقرب المقربين .. هل تسمعين، أما زلت تنتظرين .. لا تنتظري بغداد فليس هناك صلاح الدين.
لا أعلم ماذا سيقول عنا أطفال بغداد .. كيف سيحترموننا وهم يروننا لا نكترث بطفولتهم .. نتركهم هكذا وقوداً لحرب لم يذنبوا فيها .. أما يكفي كل تلك السنين من الحرمان .. لا أعلم حقيقة ماذا سيقولون عنا .. هل سيظلون يعترفون بعروبتهم التي أودت بهم إلى البؤس والتشرد .. كيف ستكون قلوبهم .. هل ستكون سوداء كسواد سماء بغداد .. ماذا صنعت بهم بغداد وماذا صنعنا ببغداد .. أسئلة تقتحم عقلي وقلبي وأنا أرى مدينة أحلامي الصغيرة تتناثر شظايا دون أن أقدر على جمعها حتى في ذهني.
لم يبق لنا سوى ذرف الدموع .. وأن نمطر لعناتنا على ضعفنا الذي يجعلنا نراك تبادين ونحن نتفرج كالبلهاء .. إحساس بالمرارة يعصرنا يبعثر كرامتنا التي لم يبق منها الكثير منذ أن بدأنا نشعر أننا أمة ضعيفة متشرذمة .. بغداد إبادتك تصيبنا في مقتل تجعلنا نحني رؤوسنا، نقبل ان نكون بين الحفر .. لا أعرف أن أحسب الأرباح والخسائر كما يفعل السياسيون والاقتصاديون، فكل ما أعرفه أنني لم أستطع أن أراك مدينة أحلامي الصغيرة إلا من بعيد وأنت تنتحرين مرات عديدة .. ولم أستطع أن أفعل شيئاً إلا أن أصف بجانب المنصور الذي يبكي عليك منذ عهود.
مقالة رائعة وحزينة للكاتب مشاري عبدالله النعيم من جريدة الرياض.
ـ[ذو العباءة]ــــــــ[22 - 03 - 2003, 05:30 م]ـ
شكرا عاشق الفصحى
و هذه قصيدة عن بغداد في هذه الظروف العصيبة
بغدادُ والكبشُ هذا اليومَ بغدادُ ... وما لأشلائنا في الأرض تِعدادُ
بغدادُ والذابح الباغي وفي يدهِ ... سوطٌ على أمةِ الإسلامِ جلادُ
بغدادُ والرومُ قد عادت جحافلُها ... لها مع البحر إرغاءٌ وإزبادُ
يقودها الحقدُ والعدوانُ غايتُها ... والكفرُ بالله في ذاكم لها زادُ
بغداد لا تهنئي فالله منتصرٌ ... لأمة الحق إن آبوا وإن عادوا
بغداد فلتقرئي التاريخ إن به ... أخبار من قبلنا فيهن أشهادُ
فرعون حاصر موسى من تغطرسه ... فأغرق الله من عن دينِهِ حادوا
حادوا، فبادوا وكان الله منتصراً ... لجنده وبفضل الله قد سادوا
بغداد كل قوى الكفار فانيةٌ ... كما فنى قوم نوحٍ أو فنت عادُ
¥