[رجل من الماضي]
ـ[مريم الناصر]ــــــــ[21 - 09 - 2008, 12:15 ص]ـ
السلام عليكم جميعًا
يسرني أن أطرح عليكم قصة قصيرة قمت بكتابتها قبل أشهرٍمضت
وأنتظر منكم النقد البناء وأنا على أتم إستعداد لتقبل نقدكم
وأعتذر عن قلة المشاركة في هذا الصرح العظيم (شبكة الفصيح)
ولكم جزيل الشكر
والآن أترككم مع القصة
....................................................................
[رجل من الماضي]
أغلق تلك الملفات، والتقط رزمة المفاتيح، استقام على قدميه، ثم أخذ يسوي هندامه، وتوالت الخطوات .......
أقفل الباب، أحس بشعور غريب يتزاحم بداخله، ترقرقت في عينيه دمعة، لكنه لم يتوقف عن المسير ........
وصل إلى الباب الرئيسي، ثم أدار بصره، أخذ يحملق في اللوحة المعلقة على المبنى وقد كتب عليها (مجموعة معارض الوسام للسيارات) لصاحبها وسام ناصر،دس يده في جيبه واستل مفتاح سيارته، وانطلق بمركبته ...
إلى أين؟
لا يدري!!!!
وأمام شاطئ البحر وقت الغروب ترجل من سيارته، واتخذ له مقعدًا، وكأنه يتجاذب أطراف الحديث مع البحر ......
نعم هكذا غاب أبي، مثل الشمس، وغدًا ستشرق لكن أبي لن يعود ......
لازلتُ أذكرُ ذلك اليوم الذي شُج فيه جبيني عندما كنت ألعب مع الصبيان حينها تركوني وحيدًا وقطرات الدم تتزحلق على خدي، أرتفع صوت بكائي، أسرع أبي وغطى وجهي بيده الكبيرة، أخذ يداويني ويمسح دموعي، وقال لي:لا تبك يا صغيري أنت رجل والرجال لا يعرفون البكاء، كلمات بسيطة،لكنها ذات مغزى زرعها في جوفي، لم أعرف حينها ماذا يقصد، لكن أيقنتُ أنها ستكون سندًا لي في المستقبل .........
كنت في صغري كغيري من الأطفال أعشق الألعاب التي تعمل بالبطاريات، وكنت أحزن كثيرًا عندما تُشارف الذخيرة على الانتهاء، فكانت أمي تعيد لي بهجتي بتغيرها ....
كانت تشتري العلبة بأكملها وتخفيها عن والدي في خزانتها، حتى ذلك اليوم عندما اكتشف أبي الأمر .....
حينها قال غاضبًا: إنك بفعلك هذا تجعلينه يتمادى ...
يجب أن يتعلم الاقتصاد، إن النقود لا تنبت كالشجر، ولا تتساقط كالمطر، إنها لا تأتي إلا بعرق الجبين، كل قطرة بفلس، ليته يفهم هذا، ثم على عجل أدار دفة الحديث وقال: هيا معي يا بُني إلى السوق، ستلعب مع الأولاد، وأشتري لك ما تشتهي نفسك، لكني تعلقت بأمي كناية عن عدم الرغبة في الذهاب، وأغلقتُ عيناي خوفًا من نظراته ارتفع صوت أبي قائلا: أجلس في البيت كالنساء وأدار ظهره وخرج، انخرطت منكفئًا في زاوية، وأمواج التساؤلات تتلاطم في أعماقي، لا أعلم لماذا يصر علي أن أذهب معه؟
ما الحكمة من تواجدي في السوق؟
الكبار منهمكون في أعمالهم، والصغار يلعبون، وجودي وعدم وجودي لا يغير شيئًا،فلماذا أذهب إذًا؟ .......
وتمر صفحات الحياة على هذا المنوال حتى ذلك اليوم الذي استيقظت فيه على صوت أمي وبكائها، هرولت مسرعًا، وجدتها منهارة تقريبًا ...
أمي علامَ البكاء؟!
ما الذي جرى؟!
والدك .. والدك سافر، وتركنا نواجهُ زوبعة القدر بمفردنا .......
كانت تبكي بحرقة، احتضنتني،وإذا بها تمسح على رأسي، حينها خطر ببالي أبي عندما مسح على رأس صديقي (سالم) سألته عن فعلته عندما خرج صديقي للعب مع الصبيان،فأجابني:
إن سالم يتيمٌ يا بُني
ما معنى يتيم يا أبي؟
اليتيم من فقد أحد والديه أو كليهما
وهل (سالم) فقد والديه؟
لا، والده فقط
وأين ذهب والده؟
هذهِ سنة الحياة يا ولدي، كل واحدٍ منا يعيش حياته ثم يرحل إلى حياةٍ يحاسب فيها عما اقترفت يداه .......
تساقطت دموعي مثل المطر،
لماذا سافر دون أن يخبرني،
لم يفعلها قبل هذا اليوم قط ......
جففت أمي دموعي،وقالت: أنت رجل البيت، أنت الآن عامود هذا البيت يا بُني ..
حتى يعود أبي، ثقي بذلك .....
انطوت السنون والأيام، أيقنتُ حينها أن أبي قطع تذكرةً إلى عالمٍ غير عالمنا، عاش حياته ورحل ......
لا يبقى شيء على حاله،الأوضاع اختلفت، المصروف الذي كان يصلنا من قِبل عمي لا يكفينا أنا وأمي وأختي الصغيرة، كانت موجة غلاء الأسعار لا تعرف الرحمة، تجتاح الأسواق،وتضيق على الفقراء .....
اضطرت أمي أن تعمل في خياطة الملابس عند سيدة عنيدة ذات لسانٍ سليط تدعى (مشاعل) غضت أمي بصرها عن أخلاقها واهتمت بحاجتنا للنقود ............
¥