تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِذَا مَا رَأَوْا حَمَائِمَ بَيْضَاءَ آمِنَةً مُطمَئِنَّةٍ تُغنِّيْ فِيْ سَمَاواتِ الْحُبِّ الْجذَّابِ، وَتَرقُصُ فِيْ فَضَاءاتِ الْجَمالِ السَّاحِرِ، رَشَقُوهَا بِالْحِجَارةِ رَشْقَ زنِيْمٍ مُنتقِمٍ، وفَزَّعُوهَا فِيْ مَأمنِهَا وَانقَضُّوا علَيْها حَربَاً صَرْصَراً عاتِيَةً، وجَعلُوهَا كَهَشِيْمِ الْمُحتَظِرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر؟! وكَرِهُوا أنْ يُغرِّدَ غيْرَهُم مَا دَامَ اليَأسُ يَعتصِرُ أَجْلادَهُم وَيَفقَأُ أحْلامَهُم وَيغُتُّ آمَالَهُم، حَسَدَاً مِنْ عِندِ أنفُسِهِم ليْسَ إلاَّ!!

ـ[ودق]ــــــــ[07 - 01 - 2009, 05:36 م]ـ

(2)

أَحلُمُ مُغَرِّداً بِذَلِكَ الأَدِيْبِ الذِيْ تَتَمَشَّرُ شَجَرَةُ إبْداعِهِ عَنْ أَوْراقٍ خَضْرَاءَ مُكتَنِزَةٍ بِفَيْضٍ وَهَّاجٍ مِنَ الضِّيَاءِ الفوَّارِ، مُمتَلِئَةٍ بِثَرْوَةٍ إنسَانِيَّةٍ لُغوِيَّةٍ مِنْ الْمَعانِيْ السَّامِيَاتِ وَالْكَلِمَاتِ الطَّاهِرَاتِ التِيْ تُقتَطَفُ مِنْ عَنَاقِيْدِ الْجَمَالِ وَتُمتَصُّ مِنْ حَدائِقِ النُّور، الأَدِيْبُ الذِيْ يَستَحلِبُ لَنَا مِنْ غَمَائِمِ السَّمَاءِ غَيْثَاً لطِيْفاً، يُداعِبُ بِقَطَراتِهِ البَارِدَةِ النَّاعِمَةِ صُدُورَنَا وَأروَاحَنَا وعُقُولَنَا، فَنَنتشِيْ بَعدَ مَوَاتٍ وضَنْكٍ، وَنَنتعِشُ بَعدَ رَهَقٍ ونَصَبٍ.

الأَدِيْبُ الذِيْ يَعِيْشُ فِيْ السَّمَاءِ وينظُرُ إلىْ الأرْضِ، وهُوَ يَرُشُّ دَفَقَاتٍ غَزِيْرةً بِسَخاءٍ وَجُودٍ يَستَلُّها مِنْ جَيْبِهِ الْمِعطَاءِ ويَنثُرُها عَلىْ كَلْكَلِ هذَا الْوُجُودِ، سَأَظَلُّ أحلُمُ وأحْلُمُ مُغرِّداً بِذلِكَ الأَدِيْبِ الفَاضِلِ الذِيْ يَنشَقُّ رَكَّاضَاً وثَّابَاً مِنْ قَمِيْصِ الوُجُودِ، تَرَّاكَاً لِكُلِّ عبَثٍ وَلَعِبٍ مَسَّاكَاً لِكُلِّ إشْراقٍ وفضِيْلَةٍ، يُطَهِّرُ الأَدَبَ مِنْ الأدْرَانِ التِيْ حَاقَتْهُ ومِنَ الأرْجَاسِ التِيْ مَسَّتْهُ، يُؤثِرُ العَمَلَ فِيْ الْخَفَاءِ بَعِيْداً عَنْ التَّعالُمِ والتَّنفُّخِ والتَّنفُّشِ التِيْ تَطفَحُ بِهِ مِنَصَّاتُ الأضْوَاءِ الْخالِبَة الرَّاقِصَة.

ومِنْ ثَمَّ فَهُوَ كَالشَّمْسِ يُذِيْبُ كُلَّ جَلِيْدٍ جَامِدٍ منَ الغُرُورِ والتَّثَاقُفِ، ويُعَرِّيْ كُلَّ خبِيْثٍ تَالِفٍ مِنَ الزَّيْفِ والنِّفَاقِ، ويُضِيءُ الْحيَاةَ العَذْراءَ بِإشْعَاعاتِ النَّظَافةِ والنَّزاهةِ والبَرَاءةِ والطَّهَارةِ، يَعمَلُ فِيْ الْخَفَاءِ وَتَمتدُّ أيَادِيْهِ النَّاعِمَة إلىْ أرْضِ الْمُجتمَعِ، يَنطِقُ بألسِنَتِهِم ويَمْسَحُ دُمُوعَهُم ويَخفَقُ بِقُلوبِهِم، يَتألَّمُ لآلامِهِم ويَفرحُ لأَفْراحِهِم، ويُوزِّعُ الدِّفءَ والضَّيَاءَ وينشُرُ الرَّحْمةَ والسَّكِيْنَةَ.

لا يَسْعَىْ لِتَأَثُّلِ مَالٍ يُحصَبُ بِهِ ويُنبَذُ إلَيْهِ كَالشَّحَّاذِ الْمُتَسَوِّلِ الشَّاحِبِ الذِيْ يَتسَكَّعُ هُنَا وهُناكَ، بُغيَةَ أنْ تُقذَفَ فِيْ جيْبِهِ الصَّفراءَ والبَيْضَاءَ، فَيُرِيْقُ كَرامتَهُ فِيْ ذُلٍّ يَستَوحِيْهِ مِنْ خِيَمِ الشَّيْطَانِ، ويَسْفَحُ رُجُولَتَهُ هَدْراً ويَدفِنُها فِيْ غَيَاهِبِ الظُّلَمَاتِ، أَوْ رَوْماً لتُدحَىْ لهُ رُقَاقَةُ الأرْضِ لَدِنَةً رقِيْقةً مِنْ بَعدِ أنِ استَوْعرَتْ فَيَثِبُ إلىْ بُلُوغٍ غَايَاتِهِ وثْبَ الوُحُوشِ، وَما يُغنِيْ الرَّجُلَ إنْ هُوَ أصْبَحَ شِبْهَ رَجُلٍ قَدْ انتُزِعَتْ كرَامتُهُ وسُلِخَتْ عِزَّتُهُ.

كدَأْبِ كثِيْرٍ مِنَ الأُدبَاءِ والشُّعَرَاءِ الذِيْنَ يَصَّعَّدُونَ يَرَاهُمُ النَّاسُ بَشَراً سَوِيَّاً، وأرَاهُم بِعَيْنٍ غَيْرِ التِيْ يَرَونَهُم بِهَا، أرَىْ بَشَراً قَدْ اجتُثُّوا مِنْ وَهَجِ وِشَاحِ الأَرْضِ، لاهِثَةً جُلُودُهُم زائِغَةً أبصارُهُم، تَنْكفِئُ مِنْ أفواهِهِم سُلافةُ النِّفاقِ القَبِيْحِ ورُغاءُ الشَّرَه النَّهِم، يَتَضَاحكُونَ وَيتَخَاطرُونَ فِيْ مَشْهدٍ سَخِيْفٍ تَتغثَّىْ لَهُ الأفْوَاهُ وَتنْزَعِجُ مِنهُ العُقُولُ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير