تماسك جسدي بعضه على بعض .. احتضنت نفسي .. ثم رميت بظهري على الجدار .. حتى سقطت إلى الأرض .. وكأنني أثاث في التوعية .. ما عدت أحتمل .. لست وحدي والله .. كل زملائي هالهم ما هالني .. وأذهلهم ما أذهلني ..
الجو هادئ ..
لا صوت .. سوى حديث السكون ..
ولا حركة .. سوى ذرفات الدموع ..
أجمع أذنيّ بعضها على بعض ..
الآن .. الآن ..
اقتربت ساعة الصفر ..
أنتظر ..
صوبت سمعي نحو القضية ..
لكني لا أسمع شيئا ..
يا إلهي هل أصبحت أصما.؟ رحماك ربي .. !
أم أن الأستاذ عادل حصل له مكروه .. أم أني في بحر خيالي .. أم ماذا.؟
فركت أذنيّ بسبابتي .. حفرتهما حفرا .. لا .. لآ .. لا أسمع شيئا ..
تعبت الانتظار .. مللت الترقب ..
رفعت رأسي .. فتحت عينيّ ..
الأستاذ عادل واقف أمامهما .. يجمع بكفيه .. ويفركهما فركا ..
أصبحا كالطفلين اليتيمين الصغيرين مقابل هذا الجبل الأحمر ..
يوزع نظراته .. المليئة بالعتاب .. والمكسوة بالقهر .. !
اقترب منهما أكثر وأكثر ..
في هذه اللحظة ..
الباب يُطرق من حارس المدرسة أبو فلاح ..
- يا أبو عبد الرحمن (الأستاذ عادل) أبشرك الولد أفاق .. وسلم من كل مكروه والحمد لله رب العالمين وهو الآن في غرفة المدير .. ثم انصرف العم أبو فلاح ..
-الله يبشرك بالخير ويعطيك العافية عمنا أبو فلاح وبيّض الله وجهك
(صوت أبو عبد الرحمن ممزوج بشيء من الغضب وشيء من الفرح)
التفت الأستاذ فهد مرتاعا خائفا .. تمتم بكلمات قليلة بينه وبين نفسه لبس غترته .. ثم خرج ..
الأستاذ ياسر يبدو أنه احتاج إلى سيجارة .. ولو كانت عدته معه لأشعلها أمامنا .. أخذ عقاله وشماغه .. ثم خرج .. !
أيمن المشاكس قفز قائلا .. تكبير 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - ..
الطلاب: الله أكبر الله أكبر ..
تكبي1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - .. الله أكبر .. تكبي1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - .. الله أكبر .. تكبي1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - .. الله أكبر ..
بقي لنا أستاذنا التربوي ..
وهو يحاول أن ينزع عن وجهه الغضب .. ويلبس ثوبه الحقيقي الابتسامة الدائمة .. يحاول أن يغير حالته التي ظهر بها وما زالت لازقة به .. فبدأ يتمالك نفسه .. ويكظم غيظه .. ويكتم غضبه ..
رمى بعينيه لأيمن وابتسم ابتسامة صغيرة جدا في وجهه وقال بنبرة أبوية كفّ عن هذه المشاكسة يا شيخ المستقبل .. ألا تعلم أن التكبير الجماعي بدعة .. أم أنك لا تثني الركب عند العلماء ..
-بل أحضر (قالها أيمن بخجل).!
-أتمنى ذلك يا ولدي. (قالها الأستاذ عادل وهو يسير نحو باب الخروج)
خرج الأستاذ عادل وبقينا نحن معشر الطلاب ..
سارع أيمن إلى الباب وأغلقه ..
بدأ الخوف يتسرب منا .. وبدأت المياه تعود إلى مجاريها ..
هدأت نفسي ..
وأشرقت ابتسامتي ..
وعادت إليّ أنفاسي ..
أقبل علينا أيمن بوجه مليء بالفرح والسرور .. وقال بصوت عال الله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين ..
تكبير ..
الله أكبر .. الله أكبر ..
أرأيتم يا إخوان كيف فضح الله الأستاذ ياسر على حقيقته .. ؟
وكشف أمره؟ وعرّى فكره الخبيث؟
أرأيتم كيف يتهرب من أسألت الأستاذ فهد حتى ولّى وله ضراط .. !!
حقا على كل واحد منكم أن يقبل رأس الأستاذ فهد.!
أعجبني كثيرا .. عندما أوقفه عند حده .. وأكتم فِيه .. ومسح به البلاط ..
منذ سنتين ونحن نعاني من سخريته .. فلكم وقف أمام أعمالنا .. ولكم عطل مشروعا أوشكنا على تنفيذه .. ولكم صوّر لبعض أولياء الأمور أنّ إرهابية ..
وما علم الليبراليون أنّ أحرص منهم على وطننا ..
ليبرالي خبيث .. يبغض أهل الدين .. ويحمل حقدا كبيرا على أستاذنا فهد ..
أقسمت لكم مرات وكرات أنه ليبرالي .. لكنكم لم تسمعوا لي .. !
والأستاذ فهد لا يريد أن يقول لنا أنه الأستاذ ياسر ليبرالي .. !!
لا أدري لم؟
كلما سألته هل الأستاذ ياسر ليبرالي؟ رد عليّ (انشغل بعيوبك)
..
وانطلق أيمن يحدثنا ببعض المواقف التي حصلت لهم مع الأستاذ ياسر ..
فليس موقفا واحدا .. ! بل مواقف .. !
.. وتتكرر بشكل دائم .. ويومي .. كما يقول أيمن ..
وأيمن يتحدث .. وأنا جالس أستمع .. ! كالطلاب .. أضحك عندما يضحكون لسخرية أيمن .. وأندهش عندما يندهشون من بعض المواقف .. إلا أني لا أفقه ما معنى ليبرالي .. ولا أعرف ما قصتها ..
ما معناها .. وماذا تعني؟ وكيف أصبح الأستاذ ياسر ليبرالي؟.!!
¥