تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هَذِهِ كُلُّهَا مِحَنٌ قَبِيحَةٌ , فَلَمَّا رَأَيْت فِي الصِّبَا أَنَّ كُلَّ مَنْ بَرَعَ مِنْ أُولَئِكَ فِي فَنِّهِ مَا اسْتَقْصَى , وَإِنَّمَا عَوَّقَتْهُ فُضُولُهُ عَنْ الْمُهِمِّ , وَمَا بَلَغَ الْغَايَةَ رَأَيْت أَنَّ أَخْذَ الْمُهِمِّ مِنْ كُلِّ عِلْمٍ هُوَ الْمُهِمُّ , فَإِنَّهُ مِنْ أَقْبَحِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يَطْلُبَ الْمُحَدِّثُ عُلُوَّ الْإِسْنَادِ وَحُسْنَ التَّصَانِيفِ , فَيَقْرَأَ الْمُصَنَّفَاتِ الْكِبَارِ وَيَطْلُبَ الْأَسَانِيدَ الْعَوَالِيَ وَيَكْتُبَ , فَيَذْهَبَ الْعُمْرُ وَيَرْجِعَ كَمَا كَانَ , لَيْسَ عِنْدَهُ إلَّا أَجْزَاءٌ مُصَحَّحَةٌ لَا يَدْرِي مَا فِيهَا وَقَدْ سَهِرَ وَتَعِبَ.

وَإِذَا سَاءَلْته عَنْ عِلْمِهِ **** قَالَ عِلْمِي يَا خَلِيلِي فِي سَفَطْ

فِي كَرَارِيسَ جِيَادٍ أُحْكِمَتْ ... وَبِخَطٍّ أَيِّ خَطٍّ أَيِّ خَطْ

وَإِذَا سَاءَلْته عَنْ مُشْكِلٍ ****حَكَّ لَحْيَيْهِ جَمِيعًا وَامْتَخَطْ

وَيَتَفَقَّهُ صَبِيٌّ صَغِيرٌ فَيُفْتِي فِي مَسْأَلَةٍ عَجَزَ ذَلِكَ الشَّيْخُ عَنْهَا , وَإِنَّمَا أَشْرَحُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِلتَّعْلِيمِ , انْتَهَى كَلَامُهُ. ....

وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ النَّحْوِيُّ الْمُتَأَخِّرُ الْمَشْهُورُ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ لَهُ: وَأَمَّا إنَّ كان صَاحِبَ تَصَانيفٍ وَيَنْظُرُ فِي عُلُومٍ كَثِيرَةٍ , فَهَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْلُغَ الْإِمَامَةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا , وَقَدْ قَالَ الْعُقَلَاءُ: ازْدِحَامُ الْعُلُومِ مُضِلَّةٌ لِلْمَفْهُومِ , وَلِذَلِكَ تَجِدُ مَنْ بَلَغَ الْإِمَامَةَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي عِلْمٍ مِنْ الْعُلُومِ لَا يَكَادُ يَشْتَغِلُ بِغَيْرِهِ , وَلَا يُنْسَبُ إلَى غَيْرِهِ وَقَدْ نَظَمْتُ أَبْيَاتًا فِي شَأْنِ مَنْ يَنْهَزُ بِنَفْسِهِ. وَيَأْخُذُ الْعِلْمَ مِنْ الصُّحُفِ بِفَهْمِهِ:

يَظُنُّ الْغَمْرُ أَنَّ الْكُتْبَ تَهْدِي **** أَخَا فَهْمٍ لِإِدْرَاكِ الْعُلُومِ

وَمَا يَدْرِي الْجَهُولُ بِأَنَّ فِيهَا**** غَوَامِضَ حَيَّرَتْ عَقْلَ الْفَهِيمِ

إذَا رُمْت الْعُلُومَ بِغَيْرِ شَيْخٍ ****ضَلَلْت عَنْ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ

وَتَلْتَبِسُ الْعُلُومُ عَلَيْك حَتَّى ****تَصِيرَ أَضَلَّ مِنْ توِمَا الْحَكِيمِ

أَشَرْت إلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ:

قَالَ حِمَارُ الْحَكِيمِ تومَا ****لَوْ أَنْصَفُونِي لَكُنْت أَرْكَبُ

لِأَنَّنِي جَاهِلٌ بَسِيطٌ **** وَصَاحِبِي جَاهِلٌ مُرَكَّبُ

وَقَالَ بَعْضُهُمْ:

إذَا لَمْ تَكُنْ حَافِظًا وَاعِيًا**** فَجَمْعُك لِلْكُتْبِ لَا يَنْفَعُ

وَتَحْضُرُ بِالْجَهْلِ فِي مَوْضِعٍ**** وَعِلْمُك فِي الْكُتْبِ مُسْتَوْدَعُ

وَمَنْ كَانَ فِي عُمُرِهِ هَكَذَا**** يَكُنْ دَهْرَهُ الْقَهْقَرَى يَرْجِعُ

وَمِنْ الْمَشْهُورِ:

فَدَعْ عَنْك الْكِتَابَةَ لَسْتَ مِنْهَا**** وَلَوْ سَوَّدْت وَجْهَك بِالْمِدَادِ

ومثله:

وَلِلْعُلُومِ رِجَالٌ يُعْرَفُونَ بِهَا**** وَلِلدَّوَاوِينِ كُتَّابٌ وَحُسَّابُ.)

انتهى مختصراً

تذييل: العلوم المهمة التي لا يسع أحد من المسلمين الجهل بمهماتها هي: علم العقيدة وعلم الفقه، وكلما توسع طالب العلم في هذين العلمين أكثر كان ذلك أفضل.

أما العلوم الشرعية الأخرى: فالتخصص مطلوب لاتقانها، وهو من فروض الكفايات، وأما أن يطالب الجميع بالتوسع فيها، فهذا ما لا سبيل إليه إلا في النادر. والله أعلم.

ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[26 Feb 2004, 10:47 ص]ـ

قال الإمام ابن قتيبة (ت:376):

وأما طعنهم عليهم - أي: أهل الحديث - بقلة المعرفة لما يحملون, وكثرة اللحن والتصحيف, فإن الناس لا يتساوون جميعاً في المعرفة والفضل, وليس صنف من الناس إلا وله حشوٌ وشوب.

فأين هذا العائب لهم عن الزهري, أعلم الناس بكل فن, وحماد بن سلمة, ومالك بن أنس , وابن عون, وأيوب, ويونس بن عبيد, وسليمان التيمي, وسفيان الثوري, ويحيى بن سعيد , وابن جريج, والأوزاعي, وشعبة , وعبد الله بن المبارك, وأمثال هؤلاء المتقنين؟ ,

على أن المنفرد بفن من الفنون لا يعاب بالزلل في غيره,

وليس على المحدث عيب أن يزل في الإعراب, ولا على الفقيه أن يزل في الشعر,

وإنما يجب على كل ذي علم أن يتقن فنه؛ إذا احتاج إليه الناس فيه, وانعقدت له الرئاسة به.

وقد يجتمع للواحد علوم كثيرة, والله يؤتي فضله من يشاء,

وقد قيل لأبي حنيفة - وكان في الفتيا ولطف النظر واحد زمانه -: ما تقول في رجل تناول صخرة, فضرب بها رأس رجل فقتله , أتُقيدَه به؟

فقال: لا ولو رماه بأبا قبيس.

... ولا أعلم أحداً من أهل العلم والأدب إلا وقد اُسقط في علمه, كالأصمعي, وأبي زيد, وأبي عبيدة , وسيبويه, والأخفش, والكسائي, والفراء, وأبي عمرو الشيباني, وكالأئمة في قراءة القرآن, والأئمة من المفسرين.

وقد أخذ الناس على الشعراء في الجاهلية والإسلام الخطأ في المعاني وفي الإعراب, وهم أهل اللغة وبهم يقع الاحتجاج.

فهل أهل الحديث في سقطهم إلا كصنف من الناس. ا. هـ

> تأيل مختلف الحديث (ص:75 - 76).

وأرجوا قراءة باقي كلامه فإنه نفيس.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير