مستوٍ على عرشه بذاته , وأطلقوا في بعض الأماكن فوق خلقه.
قال: وهذا قول القاضي أبي بكر في تمهيد الأوائل له , وهو قول أبي عمر بن عبدالبر , والطلمنكي وغيرهما من الأندلسيين , وقول الخطابي في شعار الدين.
وقال أبوبكر محمد بن موهب المالكي في شرح شرالة ابن أبي زيد: قوله إنه فوق عرشه المجيد بذاته , معنى (فوق) و (على) عند جميع العرب واحد , وفي كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تصديق ذلك , ثم ذكر النصوص من الكتاب والسنة واحنج بحديث الجارية وقول النبي صلى الله عليه وسلم لها (أين الله؟) وقولها (في السماء) وحكمه بإيمانها , وذكر حديث الإسراء , ثم قال: وهذا قول مالك فيما فهمه عن جماعة ممن أدرك من التابعين , فيما فهموا من الصحابة فيما فهموا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم: أن الله في السماء بمعنى فوقها وعليها , قال الشيخ أبو محمد: إنه بذاته فوق عرشه المجيد , فتبين أن علوه على عرشه وفوقه إنما بذاته , إلا أنه بائنٌ مع جميع خلقه بلا كيف , وهو في كل مكان من الأمكنة المخلوقة بعلمه لا بذاته , لا تحويه الأماكن , لأنه أعظم منها , إلى أن قال: وقوله: على العرش استوى , إنما معناه عند أهل السنة على غير معنى الاستيلاء والقهر والغلبة والملك , الذي ظنت المعتزلة ومن قال بقولهم أنه معنى الاستواء , وبعضهم إنه على المجاز لا على الحقيقة , قال: ويُبين سوء تأويلهم في استوائه على عرشه على غير ما تأولوه من الاستيلاء وغيره , ما قد علمه أهل المعقول أنه لم يزل مستولياً على جميع مخلوقاته بعد اختراعه لها , وكان العرشُ وغيره في ذلك سواء , فلا معنى لتأويلهم بإفراد العرش بالاستواء الذي هو في تأويلهم الفاسد استيلاءٌ وملكٌ وقهرٌ وغلبةٌ , قال: وذلك أيضاً يبين أنه على الحقيقة بقوله (ومن أصدق من الله قيلا) فلما رأى المصنفون إفراد ذكره بالاستواء غير الاستيلاء , فأقروا بوصفه بالاستواء على عرشه وأنه على الحقيقة لا على المجاز , لأنه الصادقُ في قيله , ووقفوا عن تكييف ذلك وتمثيله , إذ ليس كمثله شيء , هذا لفظه في شرحه.
الوجه الخامس عشر: أن الأشعري حكى إجماع أهل السنة على بُطلان تفسير الاستواء بالاستيلاء , ونحن نذكر لفظه بعينه الذي حكاه عنه أبو القاسم بن عساكر في كتاب تبيين كذب المفتري , وحكاه قبله أبو بكر بن فوْرك وهو موجود في كتبه , قال في كتاب الإبانة وهي آخر كتبه قال:
(باب ذكر الاستواء) إن قال قائلٌ: ما تقولون في الاستواء , قيل: نقول له: إن الله تعالى مستوٍ على عرشه , كمال قال تعالى (الرحمن على العرش استوى) , وساق الأدلةَ على ذلك , ثم قال: وقال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية: إن معني قوله (الرحمن العرش استوى) أنه استولى ملكَ وقهر , وجحدوا أن يكون الله على عرشه كما قال أهلُ الحق , وذهبوا في الاستواء إلى القدرة , ولو كان هذا كما قالوا كان لا فرق بين العرش والأرض السابعة السفلى , لأن الله تعالى قادرٌ على كل شيء والأرض والسموات وكل شيء في العالم , فلو كان الله مستوياً على العرش. بمعنى الاستيلاء والقدرة لكان مستوياً على الأرض والحشوش والأنتان والأقدار , لأنه قادرٌ على الأشياء كلها , ولم نجد أحداً من المسلمين يقول إن الله مستوٍ على الحشوش والأخلية , فلا يجوزُ أن يكون معنى الاستواء على العرش على معنى هو عام في الأشياء كلها , ووجبَ أن يكون معنى الاستواء يختص بالعرش دون سائر الأشياء , وهكذا قال في كتابه الموجز وغيره من كتبه).
وإلى اللقاء مع بقية الشرح إن شاء الله تعالى
ـ[موراني]ــــــــ[24 Jun 2004, 02:56 م]ـ
اضافة بسيطة الى ما جاء ذكره أعلاه في ذلك العرض القيم والدقيق:
لم يتركز ابن أبي زيد القيرواني على هذه المسائل في مقدمته للرسالة فقط.
بل جاء في آخر الجزء الثالث لكتابه (الذب عن مذهب مالك بن أنس في غير شيء من أصوله وبعض مسائله من فروعه وكشف ما لبس به بعض أهل الخلاف وما جهله من مخارج الأسلاف) , مخطوط Chester Beatty وهو النسخة الفريدة للكتاب قد نسخها تلميذ المؤلف في سنة احدى وسبعين وثلاثمائة في حلقة ابن أبي زيد بالقيروان.
جاء في آخر الكتاب رد ابن أبي زيد على من قال بالقيروان بخلق القرآن.
وقبل وفاة الشيخ درس محمد بن عبد الله بن سعيد بن عابد المعافري هذا الكتاب على ابن أبي زيد وأخذ عنه أيضا رسالته المسماة بالاستظهار في الرد على البكرية (أو الفكرية) من طريق الاجازة.
أما كتاب الأمر والاقتداء بأهل المدينة , فهو أيضا كتاب يدخل في هذا الباب , فانه انتشر بين المشارقة برواية الأندلسيين في أواخر القرن الرابع على يد عبد الله بن الوليد الأندلسي الذي استوطن الاسكندرية وكان فيها من (سادات المغاربة) وتوفي عام 488 بالقدس. (ترتيب المدارك , ج 7 , ص 238.)
هذا , ويذكر ابن أبي زيد كتبه الاقتداء في مقدمة كتاب النوادر والزيادات (ج 1 , ص 4) , فما لا شك فيه أن هذه الكتاب تناول هذا الموضوع المذكور في هذه الرابط , اذ جاء ذكر الكتاب أيضا كما يلي:
الاقتداء بأهل السنة بأهل المدينة , وأيضا:
كتاب الأمر والاقتداء والنهي عن الشذوذ عن العلماء وايجاب وائتمام بأهل المدينة (أنظر فهرسة ابن خير الاشبيلي , ص 246).
ويتبين من هذه التفاصيل أن ابن أبي زيد باعتباره فقيها أكثر منه (متكلما) تناول هذه القضايا الحاسمة في رسائل مستقلة وخارج رسالته أيضا.
وقد اعتصم أهل السنة بالقيروان بالنهي عن القول بخلق القرآن وانفاء الرؤية وعن وصف صفات الله كما وصفتها المعتزلة في ذلك العصر.
تقديرا
موراني
¥