أحدهما: أن يكون العمل لله خالصاً , والثاني: أن يكون لسُنة نبيه صلى الله عليه وسلم موافقاً.
فلا بد من تجريد الإخلاص لله وحده , ولا بد من تجريد المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم فلو وُجد العمل مبنيا على سُنة وفُقد شرط الإخلاص لم يُقبل , لقول الله عز وجل (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً) , ولو وُجد العملُ خالصاً لله لكنه لم يُبنَ على سُنة , بل بُني على البدع والمحدثات فإنه مردودٌ على صاحبه , لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي لفظ لمسلم (من عملا عملاً ليس عليه أمرٌنا فهو رد) أي: مردود عليه غير مقبول منه.
ولا يُقال: إن العمل إذا كان خالصاً لله , ولم يكن مبنياًّ على سُنته , وكان قصدُ صاحبه حسناً أنه محمود ونافعٌ لصاحبه , ومِما يدل على ذلك أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال للصحابي الذي ذبح أُضحيته قبل صلاة العيد (شاتُك شاةُ لحم) , فلم يعتبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أُضحية , لأنها ذُبحت قبل ابتداء وقت الذبح الذي يبدأ بعد صلاة العيد , والحديث أخرجه البخاري (5666) ومسلم (1961) وقد قال الحافظ في شرحه في الفتح 10/ 17 (قال الشيخ أبو محمد بن أبي حمزة: وفيه أن العمل وإن وافق نية حسنةً لم يصح , إلا إذا وقع على وفق الشرع).
وفي سنن الدارمي 1/ 68 - 69: أن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وقف على أناس في المسجد مُتحلقين وبأيديهم حصى ’ يقول أحدهم (كبروا مائة , فيُكبرون مائة , فيقول: هللوا مائة , فيُهللون مائة, فيقول: سبحوا مائة , فيُسبحون مائة , فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبدالرحمن! حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح , قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيعَ من حسناتكم شيءٌ , ويْحكم يا أمى محمد! ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم , متوافرون وهذه ثيابُه لن تَبلَ , وآنيته لم تُكسر , والذي نفسي بيده إنكم لعلى مِلةٍ هي أهدى من مِلة محمد صلى الله عليه وسلم , أو مفتتحو باب ضلالة؟! قالوا: والله يا أبا عبدالرحمن! ما أردنا إلا الخير , قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه). وهذا الأثر أورد الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (2005).
وقل ابن أبي زيد رحمه الله (أن الله إلا واحد لا إله غيره) هو معنى كلمة الإخلاص (لا إله إلا الله) وهي مشتملةٌ على نفي عام وإثبات خاص فالنفي العام نفي العبادة عن كل مَن سوى الله , والإثبات الخاص إثباتها لله وحده , و (لا) نافيةٌ للجنس , وخبرها محذوفٌ تقديرُه: حقٌّ , والمقصود نفيُ وجود إله بحق سوى الله , وإلا فإن الآلهة بالباطل موجودةٌ وكثيرةٌ , وقد ذكر الله عن الكفار أنهم قالوا (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ).
والجملة الأولى من جُمل النفي السبع في كلام ابن أبي زيد (لا إله غيره) تأكيد لقوله (أن الله إلهٌ واحد) وختمها بقوله (ولا شريك له) , لبيان أن العبادة يجب أن تكون خالصة لله , وألا يكون له شريك في أي نوع من أنواع العبادة , والله تعالى واحدٌ في ربوبيته , وواحدٌ في ألوهيته , وواحدٌ في إسمائه وصفاته , وفلم يُشاركه أحدٌ في ألوهيته , فهو مستحق للعبادة دون من سواه , ولم يُشاركه أحد في ربوبيته , وفهو سبحانه وحده الخالقُ المدبر ولم يُشاركه أحد في أسمائه وصفاته , لأن المعاني اللائقة بالله لا يُشاركه أحدُ من خلقه فيها.
وقوله (ولا شبيه له ولا نظير) أي: أن اله لا مِثل له ولا يُشبه أحدُ من خلقه , بل هو المتفرد بصفاته , قال الله عز وجل (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) قال ابن كثير رحمه الله (أي ليس كخالق الأزواج كلها شيء , لأنه الفردُ الصمد الذي لا نظير له).
وهذه الآية أصلٌ في عقيدة أهل السنة في الأسماء والصفات , وهي الإثبات مع التنزيه , بخلاف المشبهة , فإن عندهم الإثبات مع التشبيه , وبخلاف المعطلة فإن عندهم التنزيه مع التعطيل , وأهل السنة أثبتوا الصفات , ونزهوها عن مشابهة المخلوقات.
¥