1. قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"
2. قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يحج بعد هذا العام مشرك"
إلا أن مذهب الإمام أحمد وعطاء أن المراد من المسجد الحرام: مكة وما حولها من الحرم، واستدلوا بقوله تعالى "هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وقوله لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ" وأما الشافعية والمالكية ومحمد بن الحسن فقد جعلوا التحريم خاصا بذات المسجد الحرام ولا يتعداه.
3. أدلة الحنفية:
1. قوله تعالى (بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) فإن تقييد عدم الدخول بهذا اللفظ يدل على اختصاصه بوقت من أوقات العام، أي لا يعتمروا ولا يحجوا بعد هذا العام.
2. قول النبي صلى الله عليه وسلم (ولا يحج بعد هذا العام مشرك)
3. قوله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) فإن الخوف من الفقر يكون بسبب انقطاع تلك المواسم ومنع المشركين من الحج والعمرة، لأنهم كانوا يتاجرون في مواسم الحج، مما سيؤدي إلى الضرر بالمصالح المالية، فأخبرهم الله بأنه سوف يغنيهم من فضله.
4. إجماع المسلمين على وجوب منع المشركين من الحج، والوقوف بعرفة، ومزدلفة، وسائر أعمال الحج وإن لم تكن هذه الأفعال في المسجد الحرام.
3. الترجيح:
الذي يظهر بعد النظر في أدلة الفريقين أن رأي الجمهور هو الراجح وإليك المناقشة:
1. إن علة منع المشركين من دخول المسجد الحرام هي نجاسة الشرك ولذلك قال سبحانه "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا " أي فبسبب ذلك لا يجوز لهم أن يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا. وهذه هي علة المنع، ولا يعود الممنوع إلا إذا زال المانع وزوال المانع وهو الشرك لا يكون إلا بإسلامهم وبإسلامهم يعود الممنوع وهو قربهم المسجد الحرام، أي يجوز لهم حينئذ دخوله كغيرهم من المسلمين.
2. وقوله سبحانه " فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا " لفظ عام يؤيد ما ذهب إليه الجمهور، وقول السادة الأحناف أنه يدل على بعض أوقات السنة يحتاج إلى دليل مخصص، فإن قالوا: مخصصنا هو حديث علي الذي جاء في الصحيفة التي أرسله بها سيدنا رسول الله صبى الله عليه وسلم " ولا يحج بعد العام مشرك" والحج أيام معلومات لا غير، قلنا أولا أنتم تخصصون بخبر الواحد وهذا مخالف لقواعدكم أن قصر العام على بعض أفراده لا يكون إلا بسنة متواترة أو مشهورة لأن دلالته على جميع أفراده قطعية وليس هذا منها. وثانيا: أن الحديث بمنطوقه يدل على عدم السماح لهم بالحج بعد هذا العام، والظاهر من مفهومه أنه يجوز لهم الدخول إن لم يقصدوه للحج، وهذا غير صحيح، لأن مفهوم المخالفة معطّل وذلك بأنه خرج في الحج مخرج الغالب أي أن مشركي العرب خارج مكة ممن بعُد مُقامه كانوا في الغالب يأتون المسجد الحرام من أجل قضاء مناسك الحج والتجارة، إذن فالسماح لهم في غير أيام الحج يحتاج إلى دليل مستقل. ثالثا: إن الله ترك الاستفصال وعمم عدم الدخول، وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال كما هو مقرر عند الأصوليين.
3. قوله تعالى " فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا " فقوله فلا يقربوا لفظ عام، والقرب يشمل الحج وغير الحج.
4. وأما قوله تعالى "وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" فلا دليل فيها لهم على ما ذهبوا إليه، لأن الله قد تكفل بإغنائكم عنهم من فضله إن شاء، هذا وأنتم في أشد الحاجة إليهم في مواسم الحج والعمرة، دفعا لتوقع الضرر بالمصالح المالية، فكيف وأنتم غير محتاجين إليهم في سائر الأيام.
5. أما إجماع المسلمين على وجوب منع المشركين من الحج، والوقوف بعرفة، ومزدلفة، وسائر أعمال الحج فهو صحيح، ولكن ليس فيه ما يشير إلى التخصيص بالحج وأعماله.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[22 Apr 2004, 12:20 ص]ـ
مرحباً بكم أخي الكريم مصطفى وأسأل الله أن يوفقنا جميعاً للعلم النافع والعمل الصالح.
وأرجو أن نرى المزيد من البحوث والمشاركات العلمية الهادفة. ولا شك أن الموضوع الذي أشرتم إليه من النوازل التي ظهرت الحاجة إلى بحثها بحثاً علمياً في البلاد غير الإسلامية كما تفضلتم. وأسأل الله أن يفقهنا جميعاً في الدين، وأن يهدينا للصواب. وجزاك الله خيراً مرة أخرى على المشاركة ونرجو أن تجد من التفاعل مع ما تطرحونه من الأبحاث ما يسرك بإذن الله من أعضاء ملتقى أهل التفسير.
¥