يقول أشتري من سمن المسلم لا من سمن الكافر لأن الصحابة لم يلتفتوا إلى ذلك.
وقد زعم المقبلي في المنار أن الاستدلال في الآية المذكورة على نجاسة الكافر وهم لأنه حمل لكلام اللَّه ورسوله على اصطلاح حادث وبين النجس في اللغة وبين النجس في عرف المتشرعة عموم وخصوص من وجه فالأعمال السيئة نجسة لغة لا عرفاً والخمر نجس عرفاً وهو أحد الأطيبين عند أهل اللغة والعذرة نجس في العرفين فلا دليل في الآية انتهى.
ولا يخفاك أن مجرد تخالف اللغة والاصطلاح في هذه الأفراد لا يستلزم عدم صحة الاستدلال بالآية على المطلوب والذي في كتب اللغة أن النجس ضد الطاهر قال في القاموس: النجس بالفتح وبالكسر وبالتحريك وككتف وعضد ضد الطاهر انتهى. فالذي ينبغي التعويل عليه في عدم صحة الاحتجاج بها هو ما عرفناك وحديث الباب أصل في طهارة المسلم حياً وميتاً أما الحي فإجماع وأما الميت ففيه خلاف. انتهى كلام الإمام الشوكاني رحمه الله.
إذن فخلاصة كلام الشوكاني، أن نجاسة الكافر نجاسة معنوية وهي نجاسة الاعتقاد، لا نجاسة الذوات والأعيان.
ملاحظة:
فإن قال قائل لقد وقعتم فيما فررتم منه بأن قلتم أن العلة في منع دخول الكافر المسجد الحرام هي النجاسة وإن كانت نجاسة معنوية وهي الشرك، فهذه علة مطردة، فيلزم أن تقولوا بموجبها، وهو منع الكافر من جميع المساجد لعلة في الكافر وهي الشرك!، قلنا إن ذلك لا يستقيم لاستثناء الله المسجد الحرام من عموم المساجد، فالمنع مقصور على المسجد الحرام، لخصه بالذكر دون باقي المساجد، فكان خاصا والخاص لا يقاس عليه، أي لا يتعدى موجبه وموضعه، فلا يتعدى المنع من الدخول إلى غير المسجد الحرام، والله أعلم.
2. وأما قوله تعالى "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رِجَالٌ" (9) فلا دليل فيها على منع دخول الكافر المساجد لا تصريحا ولا تلميحا؛ فرجاء إسلام الكافر هو رفع للمساجد وتنزيه لها، ودعوة الكافر إلى الله داخل المساجد هذا عمل الأنبياء ومتبعيهم بحق لقوله تعالى: " وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" (10) وهذا دليل أن الدعوة إلى الله من أقرب القربات إلى الله سبحانه وقوله "أحسن" بصيغة التفضيل تدل على أنها أحسن الأقوال على الإطلاق، وعدم تحديد المكان يدل على أن الدعوة تكون في كل مكان. وأقول إن أحسن الأقوال لا يليق بها إلا أحسن البقاع وأحسن البقاع على الإطلاق هي المساجد بالإجماع. ولذلك إدخال الكافر بهدف دعوته حاجة لابد منها.
3. وأما قوله تعالى " وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ" (11) قالوا: هذا في حالة الحرب لا في حالة السلم. قلت هذا التعليل عليل من وجوه:
أ: إن كان يجوز أن نجير الكافر في الحرب الذي لا حرمة لدمه فيه ففي السلم من باب أولى.
ب: أن إسماع الكافر كلام الله لدعوته واجب شرعي يأثم المسلم بتركه ويكون أشد إثما إذا منع غيره من تبليغ كلمة الله ويكون من الصادّين عن ذكر الله، والعياذ بالله.
ج: دخول الكافرين مسجد رسول الله في عام الوفود تدل على جريان العمل على ذلك فكان سنة متبعة.
4. مسألة قياس الكافر على المسلم الجنب تستوجب منا الحديث عن مسألتين:
أ. إثبات صحة حكم الأصل المقيس عليه فالذين ذهبوا إلى حرمة دخول الجنب المسجد وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي، استدلوا بقوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا " (12) قال ابن جرير الطبري (13) فاصلا في معنى الآية: (فتأويل الآية يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا المساجد للصلاة مصلين فيها، وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا تقربوها أيضا جنبا حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل، والعابر السبيل المجتازه مرا وقطعا يقال منه: عبرت بهذا الطريق فأنا أعبره عبرا وعبورا، ومنه قيل عبر فلان النهر إذا قطعه وجازه، ومنه قيل للناقة القوية على الأسفار هي عبر الأسفار لقوتها على الأسفار اهـ. قال ابن كثير رحمه
¥