وهكذا، ورجوعا إلى مسؤوليتنا، فقد بات التواصل والتعاون من جهتنا كمسلمين في ديار الغرب مع المؤسسات الغربية صاحبة القرار من قبل عقلاء الدعوة وحاملي همومها فرضا وواجبا للاستفادة من آلياتهم وإمكانياتهم لخدمة قضايانا الاجتماعية والتربوية وترشيدها، ولاستجادة أسلم الحلول، والحفاظ على هُويّة أبنائنا من الأفول. فكانت حاجة ملحة في هذه الفترة الحرجة من واقع المسلمين في الغرب، ولست هنا في موقع المزايدة والتنظير على من قطع أشواطا في هذا المجال كإخواننا في أمريكا وفرنسا وبريطانيا وغيرها، من استقبال الساسة وأصحاب القرار والتحرك على مستوى المؤسسات، فثمة فرق شاسع بين أن نقوم بالمبادرة عن دراسة وتخطيط، وبين أن يخطط الغرب ويدخلنا في منظومته الإدماجية، فنصبح خانة في جدول أعمالهم، وحجرا من أحجار رقعة شطرنجهم. وللأسف أن معظم مشاريع التواصل من قِبل الذين ساروا في هذا المجال، هي من جنس الحالة الثانية. وكثير منها لا أثر له في الواقع اليومي يُذكر، أعني أن هناك انفصاما بين الأفكار واللقاءات المقصورة على طبقات التيارات الإسلامية، وبين انعكاساتها على الواقع تطبيقا وإفادة لأفراد الجالية المسلمة وجماعتهم.
ولذلك نحن في موقع إيقاظٍ للذين لا يزالون في سبات عميق في كثير من المساجد والمراكز والجمعيات في الغرب، وينامون نومة أهل الكهف في بعض الدول الأوربية، فهذا أوان الإفاقة والتحرك البنّاء والنظر بعمق إلى قضايا المسلمين في الغرب.
وكذلك في موقع إيقاظٍ للمشتغلين من الدعاة والمؤسسات الإسلامية بالتواصل مع المؤسسات الحكومية إنسانية واجتماعية وغيرها من نشوة الإعجاب بالنفس من حيث ثناء الآخرين عليهم، ومن حيث الإنجاز الآني المتمثل في اللقاءات ذاتها لا في ما تؤول إليه من نتائج عملية ملموسة اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، فنفعّل الجانب العملي، فنحفّز عندهم وازع إشراك الجالية المسلمة في ثمار وريع هذه التحركات، وبالأحرى معايشتهم فيها، و إلا فما الفائدة إذا أصبحت الوسيلة هدفا نقف عنده ونطرب بتحقيقه.
فنكثف المجاهيد من أجل التعاون وربط العلائق مع المؤسسات الرسمية للعمل على فتح نَوادٍ إسلامية رياضية وترفيهية للشباب على نفس الطراز الغربي تقنيا وإدارة وتطويرا، وذلك للتفويت عليهم مرحلة المراهقة أو للتخفيف من حدة هذه المرحلة عن طريق الأنشطة الرياضية والثقافية والرحلات العلمية.
ونكثف المجاهيد من أجل التعاون مع المؤسسات التربوية والتعليمية للعمل على توجيه الشباب المسلم إلى التخصص في المجالات الاجتماعية والتربوية والأناسية للمساعدة مستقبلا في المنظومة التربوية والتوعوية، فيكون آلة من آلات البناء النهضوي، وجهازا من أجهزة المناعة عند الأقليات المسلمة.
ونكثف المجاهيد من أجل التعاون مع المؤسسات الاجتماعية لتفعيل دور الأسرة المسلمة حتى تنال دور الصدارة العليا والمرجعية المثلى في المسار التربوي كما كانت، فتحمل العبء الأكبر وتخفف من قبضة الحكومات على تسيير وإدارة العمل التربوي والتعليمي على نمطهم الإلحادي الذي يسفه عقيدة التوحيد ويكرس عقيدة الإلحاد.
وهذه وصية ابن حزم لنا جميعا – والمقيمون في الغرب على رأس القائمة - حيث قال ينذرنا: " فمن ترك الصغير والصغيرة حيث يدربان على سماع الكفر، ويتمرنان على جحد نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ترك الصلاة، والأكل في رمضان، وشرب الخمر والأنس إليها حتى يسهل عليهما شرائع الكفر، أو على صحبة من لا خير فيه، والانهماك على البلاء: فقد عاون على الإثم والعدوان، ولم يعاون على البر والتقوى، ولم يقم بالقسط، ولا ترك ظاهر الإثم وباطنه - وهذا حرام ومعصية. ومن أزالهما عن المكان الذي فيه ما ذكرنا إلى حيث يدربان على الصلاة والصوم، وتعلم القرآن، وشرائع الإسلام، والمعرفة بنبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتنفير عن الخمر والفواحش: فقد عاون على البر والتقوى، ولم يعاون على الإثم والعدوان، وترك ظاهر الإثم وباطنه، وأدى الفرض في ذلك"
ونكثف المجاهيد من أجل التواصل مع هذه المؤسسات للعمل على المحافظة على ترابط الأسرة المسلمة وفك النزاعات الحاصلة في الداخل بأنجع الحلول وأسلم الوسائل، وذلك عن طريق التوصل إلى إمكانية إشراك مؤسساتنا الإسلامية وإعطائها صلاحية التدخل للنظر في القضايا الاجتماعية.
ونكثف المجاهيد من أجل ...
وهكذا نضع أيدينا على القضايا الأساس، والواجبات، ونكون قد تفادينا فخاخ دعوات الآخرين التي طالما اجترتنا إلى نوافل الأمور ومباحاتها بل مكروهاتها. وصدق والله مالك بن دينار حيث قال:
أعرَبْنا في الكَلامِ فمَا نَلْحن، ولَحنَّا في العملِ فَما نُعرِب