تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما القبور فقد ورد نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن اتخاذها مساجد ولعن من يفعل ذلك وقد ذكره غير واحد من الصحابة والتابعين، كما ذكره البخاري في صحيحه والطبراني وغيره في تفاسيرهم وذكره وثيمة وغيره في " قصص الأنبياء " في قوله تعالى:"وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً "

قالوا: هذه أسماء قوم صالحين كانوا من قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم طال عليهم الأمد فاتخذوا تماثيلهم أصناماً وكان العكوف على القبور والتمسح بها وتقبيلها والدعاء عندها وفيها ونحو ذلك هو أصل الشرك وعبادة الأوثان ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:" اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد "

واتفق العلماء على أن من زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين – الصحابة وأهل البيت وغيرهم – أنه لا يتمسح به ولا يقبله بل ليس في الدنيا من الجمادات ما يشرع تقبيلها إلا الحجر الأسود وقد ثبت في الصحيحين: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبلك ما قبلتك.

ولهذا لا يسن باتفاق الأئمة أن يقبل الرجل أو يستلم ركني البيت – الذين يليان الحجر – ولا جدران البيت ومقام إبراهيم ولا صخرة بيت المقدس ولا قبر أحد من الأنبياء والصالحين حتى تنازع الفقهاء في وضع اليد على منبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما كان موجوداً فكرهه مالك وغيره لأنه بدعة وذكر أن مالكاً لما رأى عطاء فعل ذلك لم يأخذ عنه العلم ورخص فيه أحمد وغيره لأن ابن عمر رضي الله عنهما فعله.

وأما التمسح بقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقبيله فكلهم كره ذلك ونهى عنه وذلك لأنهم علموا ما قصده النبي صلى الله عليه وسلم من حسم مادة الشرك وتحقيق التوحيد وإخلاص الدين لله رب العالمين.

وهذا ما يظهر الفرق بين سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم والرجل الصالح في حياته وبين سؤاله بعد موته وفي مغيبه وذلك أنه في حياته لا يعبده أحد بحضوره فإذا كان الأنبياء صلوات الله عليهم والصالحون أحياء لا يتركون أحداً يشرك بهم بحضورهم بل ينهونهم عن ذلك ويعاقبونهم عليه ولهذا قال المسيح عليه السلام:" ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد "

وقال رجل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما شاء الله وشئت فقال:" أجعلتني لله نداً ما شاء الله وحده " وقال:" لا تقولواما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد " ولما قالت الجويرية:" وفينا رسول الله يعلم ما في غد " قال:" دعي هذا وقولي بالذي كنت تقولين " وقال:" لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله "

ولما صفوا خلفه قياماً قال:" لا تعظموني كما تعظم الأعاجم بعضهم بعضاً "

وقال أنس: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما يعلمون من كراهته لذلك ولما سجد له معاذ نهاه وقال:" إنه لا يصلح السجود إلا لله ولو كنت آمراً أحدا ًأن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها " ولما أُتي علي بالزنادقة الذين غلوا فيه واعتقدوا فيه الإلهية أمر بتحريقهم بالنار.

فهذا شأن أنبياء الله وأوليائه وإنما يقر على الغلو فيه وتعظيمه بغير حق من يؤيد علواً في الأرض وفساداً كفرعون ونحوه ومشايخ الضلال الذين غرضهم العلو في الأرض والفساد والفتنة بالأنبياء والصالحين واتخاذهم أرباباً والإشراك بهم مما يحصل في مغيبهم وفي مماتهم كما أشرك بالمسيح وعزير فهذا مما يبين الفرق بين سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصالح في حياته وحضوره، وبين سؤاله في مماته ومغيبه ولم يكن أحداً من سلف الأمة في عصر الصحابة ولا التابعين وتابعي التابعين يتحرون الصلاة والدعاء عند قبور الأنبياء ويسألونهم ولا يستغيثون بهم لا في مغيبهم ولا عند قبورهم وكذلك العكوف.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير